وهو لا شك عنوان يخلق المناخ وإن كان ينزف بالجراح. ودهشت للجمهور العريض من سياح وأخوة من العرب ومن شرائح اجتماعية متعددة.. ومن كل الأعمار.. حتى الأطفال الصغار. هذا الجمهور الذي يبدو أنه متعطش للمسرح.. وبإمكانه أن يستجيب للعرض ليس بالتصفيق والتهليل فقط بل بالمشاركة الى حد الضجيج بالضحك. والمسرح في أساسه جماهيري.. حتى المسرح الشعري الشكسبيري. إذن ما علينا سوى أن نستغل هذه السعة.. وهذا الإقبال لنقدم أعمالا مسرحية جادة وجديدة.. وأنا لا أقصد بالجاد أن يكون المسرح دراميا او تراجيديا بل أن يكون تناول الموضوعات ولو كانت هزلية وساخرة إنما بروح تتفتح عن النقد فتضع الإصبع على الجراح.. او أن تضحك فيكون الضحك ذا وظيفة تجعل من البسمة دمعة.. ومن العيون التي لا ترى إلا الظواهر أن تكشف عن المخبأ وراء الظواهر.
أما العمل المسرحي بحد ذاته فقد كان مزيجا من عدة أساليب مسرحية.. منها المرمز على لسان الراوية.. ومنها المباشر في مشاهد تكشف عن الأسرار.. وكأنها مجرد إذاعة أخبار الى جانب عروض وثائقية على شاشة فضية هي أجنحة لطائر العنقاء والسواد الذي وقع على بغداد.. وكأنها سقطت فعلا لا قولا.
وبما أننا تجاوزنا مسرح السبعينيات او ما سبقها او تلاها من نكات ملغومة ومضمومة مثل زهور شوكية فقد بدت العودة الى هذا النوع مع إفراط في العبارات الجريئة إن لم نقل النابية والرديئة.. أقول بدا هذا المسرح وكأنه يعزف على أوتار أصبحت لا تنسجم مع ما نعيشه من أخطار.. وما أصبحت عليه أيضا أكثر البلاد ديمقراطية وحضارة في حفظ أمنها وسلامة مواطنيها.
وتمنيت لو أن النص كان مدروسا.. والهدف منه محسوسا وملموسا.. لا أن يضيع بين الاحباط والارتباط.. الاحباط الذي أصاب المواطن العربي من الخليج الى المحيط.. والارتباط الذي لايزال هذا المواطن مشدودا به الى قضايا وطنه الكبير. وكل موضوع أصيل هو قابل للرؤية من جديد حتى ولو كان من المسرح اليوناني او الروماني.
ثم.. من قال إن القضايا الساخنة من سياسية وغير سياسية هي التي تمنح الحرارة لعمل مسرحي يمكن أن تكون النظرة إليها مادامت ساخنة قابلة للتبخر في سماء الحقيقة لتظهر مكانها حقائق أخرى هي أكثر كثافة و عمقا.. أم أنها محاولة لاصطياد جمهور واسع يحتاج الى قناعات أكثر قربا له من الفضائيات والشاشات السينمائية وحتى التمثيليات التلفزيونية? ومن الإنصاف أن أقول إن طاقات مسرحية رائعة كوميدية وتمثيلية قد تفجرت أمامنا على المسرح.. وببراعة وعفوية وبقدرة على التواصل مع الجمهور.
إنها نقاط ضوء صغيرة وخاطفة لعمل ممسرح دام أكثر من ثلاث ساعات وربما كان لغيري معه وقفات.