فالآلاف الذين اختاروا الجوع ورفضوا الركوع, يواجهون واقعا مأساويا, يستوقف الضمير الإنساني, ويستنهض همة المجتمع الدولي, ويثير في الوقت ذاته تساؤلات يصعب حصرها, ويصعب أكثر تهجينها.
وفي المقدمة بالطبع تقف التساؤلات البديهية وهي لماذا التعاطف الإنساني لا يزال دون المستوى المطلوب, ولماذا مساحة الاهتمام الدولي نكاد نلحظها, ولماذا الأصوات الدولية تبدو خافتة حينا وضعيفة حينا آخر, فيما تكون صامتة في بقية الأحيان?
رغم أن المقارنة ظالمة بكل مقاييسها, ولكنها ملحة وضرورية, حيث المعايير تتجاوز حدود التوقف والتأمل,وحتى المساءلة, ولا سيما في هذا المناخ الضاغط بمفاعيل الهيمنة, ومفرزات التسلط القائمة فيه.
كما أن المقارنة ليست حالة قائمة بحد ذاتها, ولا هي مقياس, ولكنها أيضا إحد الأوجه الأكثر إثارة في المشهد القائم, لأن رفض الاحتلال ورفض الخنوع والانحناء تتجلى في أبهى صوره.
وإذا كانت الحدود الفاصلة بين هذه وتلك نكاد نلمسها, فإننا لا نستطيع تجاهل حقيقة التصور في التعاطي العربي بمساحته التي تمتد امتداد الفعل المجتزأ, وينعكس انعكاس الواقع السياسي القائم.
قد لا نختلف! إذا قلنا إن ذلك التعاطي مع القضية كان فاترا, بل في أحيان كثيرة قاصرا, وحتى بعض مظاهر التحرك السياسي والشعبي لم تتجاوز نطاق التعاطف الذهني الذي افتقر الى الجانب العملي الذي تمليه الضرورات السياسية والإنسانية.
ولكن هل يبرر ذلك محدودية التأثر والتأثير الدولي?
لسنا بوارد إطلاق الأحكام, ولا في نطاق إعطاء النتائج والخلاصات غير أن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على البديهيات التي طالما كانت ذرائعها الشعائرية لافتة ممطوطة ولحد التآكل.
فالأسر والاعتقال والتنكيل الى حد التوحش دون رادع, والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية في سجون ومعتقلات تنوعت فيها أساليب التعذيب الى حد التفرد.
وفوق هذا وذاك يمارس الضغط حتى يتخلى الأسرى والمعتقلون عن الحد الأدنى لاستمرار الحياة, ويمنع عنهم السكر والملح الضروريين حتى يواجهوا مصيرهم المحتوم دون أن يثير ذلك تحركا دوليا يتناسب مع حجم المأساة.
فهل كان ذلك تجاوبا مع أمنية وزير القمع الإسرائيلي بالموت لجميع أولئك, أم هو يصل حدود التواطؤ?
لا تبدو الإجابة مهمة وضرورية بقدر ضرورة التحرك العاجل وتفعيل كل الوسائل والأدوات لتوظيف كل ما هو متاح لإنهاء المأساة الإنسانية القائمة الآن, وفضح الممارسات الاسرائيلية بحق هؤلاء.
والأهم من ذلك تلك الرسالة التي أضحت تجسد أبعادا يستحيل تجاهلها وتناسيها أمام نهج عدواني تحكمه غطرسة القوة, وتدفع به رغبة التوسع والعدوان إلى ما هو أخطر وأكثر هولا وفظاعة.!