وأن تدفع.. تسطع للغناء في هذا الظلام الغنائي الذي نتخبط فيه.. وتدفع تلك الكوكبة الغنائية إلى مسافات التقدم والرقي أسوة بغيرنا من الأقوام التي أصبح الغناء فيها لا كالماء والغذاء.. بل كالهواء. حسن أن يكون لدينا اهتمام منظم بالفنون جميعاً وخاصة الغناء.. فالفنون عنوان الشعوب ورسالتها الحضارية.. وحسن أن يكون لدينا لجان تحكيم من الفنانين أنفسهم وممن يتذوقون الفن ومن الاختصاصيين الأكاديميين أيضاً.. فهذه ظاهرة صحيحة.. وقد كان الموسيقار (عبد الوهاب) وحده مدرسة كاملة يتخرج منها من يستمع إليه (عبد الوهاب) فيثني عليه أو يطرب له أو يقدم له الإرشاد أو الإشارة.. إلا أن الأمور الآن تختلف تماماً.. فأكثر بلاد العالم لديهم معاهد متخصصة وعلماء في الموسيقا وأكاديميون وعازفون إلخ.. ويتقدم إليهم الألوف المؤلفة من ذوي الكفاءات الموسيقية أو الأصوات المتميزة.. وهي التي تختار منهم ضمن فحوص علمية أكاديمية وليس نشراً في الفضاء من يستحقون أن يظهروا على الناس كفنانين ومبدعين حتى أن بعض هذه المعاهد تهتم بتعليم اللغات أو اللهجات.. أو تقوّم للفنان المتقدم بعض الأخطاء حتى لا يلاقي أي متاعب أو عناء.
ويعلنون عن (السوبر ستار) وتشتعل النار.. وكأن الذين سيفوزون بالجوائز هم الذين تنتظرهم أكاليل الغار.. والمجد والفخار.. وكأن الحياة تختصر في نغم.. يدفع بعيداً كل ألم بينما الغيوم السوداء تظللنا.. وتنفجر الألغام لا الأنغام تحت أقدامنا.. وتسحب الأرض من تحت وسائدنا.. وتصبح الأصابع قابضة على الهواتف المحمولة للتصويت.. وجمهور يزداد عرضاً واتساعاً للتصفيق والتهليل من أجل هذا أو ذاك من المتسابقين.. وربما تدخلت أصوات عليا.. من جانب الذين يملكون النفوذ أو النقود لتكون النتائج مأمونة ومضمونة.
وهذا العام.. والسوبر ستار كعصفور النار.. كنت حزينة ومجروحة في آن معاً.. فلقد تزامن هذا الموكب الغنائي الاحتفالي مع اعتصام الأسرى في سجون العدو الصهيوني.. ورماد ينثر فوقنا ليحرمنا الرقاد.. والناس يتقاطرون على خيام الاعتصام في كل مكان حتى في أوروبا بينما يضج الاهتمام بالفائزين.. وحساب الأرقام وكأن كل ذلك لعبة طفولية ذكية تختطف شبابنا وشاباتنا خاصة لتدخلهم في دائرة أضواء هي منا على الهامش أو نحن منها براء.
وتمنيت.. فيما تمنيت لو تنطفئ كل هذه الأضواء فلا تبقى إلا شموع الاحتجاج الشاحبة.. وأن تصمت كل الأصوات لنسمع أنين أم ثكلى.. أو بكاء طفل رضيع.. أو آهات معذب جريح.. وأن تلتقي أيدينا بعضها إلى بعض لتتضامن بالتنديد على الأقل.. لا بالتهديد.. فزمننا العربي هو زمن الاختبارات لا الاختيارات.. وكل تجربة مهما صغرت هي اختبار.. ولو كانت السوبر ستار أو سوبر نار.