ما الذي يرتكبه المقاتل بحق الإنسانية من فظائع وجرائم وقتل فردي أو جماعي باسم الحريات والديمقراطيات والاستقرار والإعمار?
ما الذي يدفع الغرب وأميركا خاصة إلى افتراس الشعوب وفرض سيطرتها العلنية أو الخفية عليها? هل هو الدفاع عن مواطنيها وتحقيق السلام أم أنه الجشع والطمع في بلدان تفيض بالثروات الطبيعية وخاصة النفطية?
إنهم يقاتلون من أجل رفاهية شعوبهم وليس من أجل بقائها أو أمنها.. من أجل أن تمتلىء خزانات الوقود للسيارات ومن أجل فيض المجمعات الغذائية بكل ما يخطر أو لا يخطر على البال وبأبسط قدر من المال. يدافعون عن رفاهيتهم وعن المزيد من التكنولوجيا التي تخدم هذه الرفاهية.. هذا وغيره الكثير أو ما لا يحصى منه بينما الشعوب التي تغلب على أمرها تدافع عن مشروعية الحياة على الأرض.. عن الغذاء والماء.. والدواء.. والكهرباء.. عن الذين يتساقطون بفعل الأمراض المميتة الذين لا يجدون العلاج أو الانفراج.. عن الأطفال الذين يقعون فريسة للجوع والمرض والعوز.. عن المشردين من المراهقين والمعوقين الذين تنطق أحوالهم بإدانة الإنسانية جمعاء.. لما يعانون من قسوة واعتداء.
وبين الرفاهية والمشروعية فجوة هائلة تزداد عمقا واتساعا تنفتح فيها أفواه الشياطين للمزيد والمزيد من الضحايا والقرابين.
نعود لنتغنى بالحضارة المعاصرة وكأنها قد بلغت ذروة الإنسانية, بينما هي تنحدر إلى الدموية والوحشية كما لا يحصل بين حيوان الغابة.. فالحيوان المفترس لا يفترس إلا إذا كان جائعا فما المبرر إذا للشبعانين بل للمتخمين أن يقاتلوا من أجل أن يستولوا على بلاد تبعد عنهم آلاف الكيلو مترات? ما الذي يبرر هذا العنف بلا حدود تجاه أقوام تفصلهم عنهم قرون وحضارات?
بين المشروعية والرفاهية تنهار كل المبررات.. وتهوي كل الكلمات الكبيرة والشعارات أم أن الحضارة الحديثة تنزع أثوابها لتكشر عن أنيابها لمصلحة فئات محدودة حاكمة أو ظالمة وهي تجعل الأسود أبيض.. والنهار ظلاماً.. وحق الإنسان في الحياة محرماً أو حراماً?
إن الشعوب التي تناضل من أجل بقائها سوف تظل تناضل بكل الأساليب حتى القتالية منها رغم أنها لا تملك الأسلحة المتفوقة والتكنولوجيا الفائقة في وجه أعتى الجيوش وأكثرها عدة وعتاداً, فمن يلوم إذن المقهورين والمحاصرين والمسلوبين أقواتهم وأمان بيوتهم في أن يعبروا عن رفضهم لهذا الواقع الذي يستفحل شأنه يوماً بعد يوم?
وتظل مشروعية الحياة هي المشروعية مهما تعاقبت الأجيال ومهما كانت الحريات والحقوق بعيدة المنال.