وإيمان الأمم المتحدة بضرورة العمل والتحرك على جميع مسارات العملية السلمية كي يكون السلام شاملا.., هذه الإشارات الإسرائيلية إذا كانت تحمل من مدلولات فإنما تحمل مدلولا واحدا هو التعنت والتعبير عن عداء إسرائيل للسلام ,وليس فقط عدم الرغبة به.
صحيح أن لارسن والأسرة الدولية لم تكن بحاجة إلى مزيد من إشارات الرفض والعداء الإسرائيلي المعتادة لمعرفة حقيقة موقف إسرائيل من جهود السلام وعمليته, إلا أن ما صدر عن الخارجية والمسؤولين الإسرائيليين كشف مجددا وبقدر كاف من الوضوح عن معاداة إسرائيل لأي توجه للسلام, لأنه يتعارض حقيقة وواقعا مع فكرها ومبادئها وطبيعة تكوينها العدواني والعنصري .
وإذا كان السيد لارسن قد وصف محادثاته في دمشق بالممتازة وخاصة منها المتعلق بعملية السلام, فإنما هو يضيف شهادة دولية إلى سجل سورية الزاخر بالثقة في مواقفها والصدقية في توجهها, ذلك أن سورية التي منحت الحياة للمبادرة السلمية الأميركية التي أفضت إلى عقد مؤتمر مدريد, أعلنت منذ ذلك الحين أنها اتخذت السلام خيارا استراتيجيا من خياراتها والتزمت به, لكنها أكدت غير مرة: أن عدم نضوج إسرائيل, وعدم جاهزيتها للسلام لن يدفعها بأي حال من الأحوال لتقديم التنازلات أو التفريط بالحقوق .
ولدى الحديث في موضوعة السلام, لابد من الوقوف على عدد من الحقائق التي بات المجتمع الدولي بأسره على معرفة بها, ولاسيما لجهة إجهاض إسرائيل العديد من المبادرات والكثير من الجهود الدولية, حتى الأميركية منها, فمن خطة تينيت إلى توصيات ميتشيل, إلى مبادرات زيني وبيرنز, وإنتهاء بخطة خارطة الطريق, وهو الأمر الذي يؤكد عدم رغبة إسرائيل بالسلام وسعيها الدائم للالتفاف على أي تحرك دولي جاد نحوه.
إن سورية تؤكد في كل مناسبة استعدادها ورغبتها بالسلام, وإن جميع المسؤولين الغربيين والأوروبيين وغيرهم يعرفون موقف سورية الذي لا يطالب بغير الالتزام بالشرعية الدولية, والتي يعد تنفيذ قراراتها واجباً على المجتمع الدولي القيام به, وممارسة كل أشكال الضغط على إسرائيل كي تنصاع للإرادة الدولية.., فهل تشكل الإرادة الدولية بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي شروطا لا يمكن القبول بها?.
إن إسرائيل الصادر بحقها عشرات القرارات هي من يتمرد على الأمم المتحدة ومجلس الأمن, وهي من يتحدى الشرعية والقانون, وهي من يحتل الأرض العربية في الجولان وجنوب لبنان وفلسطين, وهي من يمارس العدوان والإرهاب ,والقتل والتدمير, وهي من يهدد السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم, وبالتالي هي من ينبغي أن يحدث تغييرا جذريا في سياسته, فيكف عن التصعيد وتكثيف أعمال الاغتيال والقتل المنظم والتوغل ومصادرة الأراضي , وهي من يتوجب عليه أن يقدم مبادرات حسن النية وليس الآخرون.
إن سورية إذ تؤكد دوما رغبتها بالسلام العادل والشامل الذي يعيد الأرض والحقوق كاملة غير منقوصة ليست في عجلة من أمرها, ولا يمكن لها أن تحيد عن قناعاتها الراسخة بعدالة قضيتها القومية, وواهم كل من يعتقد بأن سورية التي تلتزم القانون والقرارات الدولية, والمؤمنة بحق الشعوب المحتلة أراضيها بمقاومة الاحتلال قد تتراجع عن مواقفها تحت الضغط أو التهديد, أو قد تقبل باستبدال مرجعية عملية السلام بأخرى تتجاهل الحقوق العربية,ذلك أن جوهر السلام ومرجعية عمليته التي استند إليها مؤتمر مدريد واحدة لن تتبدل طال الزمن أم قصر, شاءت إسرائيل أم أبت.