وبدلا من أن تباشر القوات المحتلة باتخاذ الإجراءات الواجبة في هذا السياق عادت إلى توزيع المطالب والاتهامات ,ما يهدد بنسف بيان شرم الشيخ ,ويفتح المجال للتشكيك بمصداقية التزام واشنطن تجاه المستقبل السياسي للعراق ,وضرورة أن يترك للعراقيين حرية اختياره بالطريقة التي تحقق التوافق بين كافة القوى السياسية العراقية بأطيافها المتعددة وبما يؤدي في النهاية وطبقا لقرارات مجلس الأمن إلى انتهاء الاحتلال وعودة السيادة الكاملة للعراقيين في العام القادم .
التراخي الأميركي في عدم الاستجابة لمتطلبات قيام الأمم المتحدة بالدور الذي اتفق عليه في شرم الشيخ ليس هناك مايبرره على الإطلاق ,وأي تأخير في هذا الشأن مع الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد مطلع العام القادم ,يسهم في تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية على الساحة العراقية ويرتب المزيد من الشكوك وعلامات الاستفهام حول الموقف الأميركي إزاء هذه الانتخابات والأهداف التي يسعى الاحتلال لتحقيقها من إجرائها في ظل ظروف غير مناسبة تفتقد إلى مقومات النجاح والشرعية والرضا والقبول من كافة شرائح المجتمع العراقي وأطيافه السياسية .
فإذا كانت الولايات المتحدة صادقة في توجهاتها المعلنة إزاء المستقبل السياسي للعراق وتسعى إلى وقف التدهور المتواصل في الملف الأمني وتبعاته ,والاستجابة لمطالب المجتمع الدولي بإشراك الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في لعب دور رئيسي وأساسي في ترتيب الوضع السياسي العراقي ,فما عليها إلا القيام بواجباتها والإيفاء بوعودها التي قطعتها سابقا والتوقف عن توزيع المطالب والمسؤوليات والتهم على بعض دول الجوار والبحث الصادق عن أطر وقواسم مشتركة للتوافق بما يحقق مصلحة الشعب العراقي ويستجيب للرغبة الدولية بإنهاء الاحتلال .
إن الوقت المتاح أمام واشنطن لاستعادة بعض الثقة العراقية والإقليمية والدولية بسياستها في العراق قليل وضيق جدا, قياسا بالزمن المتبقي لإجراء الانتخابات التي تدعي العمل لتوفير الأجواء الملائمة لها والتقاعس الأميركي في استغلال الفرصة التي وفرها مؤتمر شرم الشيخ لإنقاذها من المستنقع الذي تغرق فيه, لا يمكن إدراجه مطلقا في سلسلة الأخطاء الأميركية في العراق أو القبول بتبريرات لم تعد تنطلي على أحد بل هو عمل متعمد يهدف إلى الحؤول دون الوصول الى أي مرحلة يصبح فيها موضوع إنهاء الاحتلال أمرا واقعا .
مصداقية الولايات المتحدة في المرحلة الحالية متوقفة على مدى استجابتها للمتطلبات المحلية والدولية المعلنة واستمرار التعاطي الأميركي مع هذه الحاجات ,على هذا النحو من التراخي وعدم الاهتمام يستوجب من المجتمع الدولي ومجلس الأمن أخذ زمام المبادرة حفاظا على وحدة العراق والأمن والسلام الإقليمي والدولي.