حتى موعد الانتخابات المقررة في الثلاثين من كانون الثاني عام .2005
فالأميركيون الذين استعجلوا تدمير الفلوجة, وذهبوا جنوباً وشمالاً وغرباً, لاستكمال مشهدهم, لايريدون أن يضطروا مرة أخرى إلى تكرار المشهد بعد أشهر وهم يدركون مسبقاً أن تلك الأشهر ستكون أشد مرارة مما حدث في الفلوجة.
والكارثة التي حلت بالفلوجة تتفاعل فصولها, وسيزداد ذلك التفاعل تباعاً كلما امتدت الأشهر والأيام, لأن ما تستطيع إخفاءه اليوم, لايمكن لواشنطن أن تداريه غداً.
هذا يقود إلى فهم الاستعجال الأميركي, على أنه محاولة لتجاوز مأزق يتفاقم, عندما يبدو نصرها الذي ادعته في الفلوجة, مجرد وهم قابل للانقلاب, وحتى للتسويق بشكل مغاير, ولا سيما بعد أن تعالت صيحات الاستغاثة من المنظمات الدولية من الكارثة التي تتضاعف في الفلوجة.
لذلك كانت رغبة الرئيس بوش بإجراء الانتخابات في موعدها, أبعد من أمنيات أو موقف أو رأي, بل هي إملاء يجب على العراقيين الاستجابة له, وأن قبضة الاحتلال التي تتهالك, لا تزال تحمل الكثير من المشاهد التي لم تترجم.
غير أن ذلك لم يحل دون الاعتراف ولو تأخر, بأن تدمير الفلوجة كان شاهداً على العجز, ولم يكن أداة للحسم, وأن الكارثة بتفاعلها المستمر ستزيد من متاعب الأميركيين أكثر مما يمكن أن تساعدهم, وأن المستنقع يتسع إلى الحد الذي يدفع إلى الغرق فيه أكثر.
تلك كانت التداعيات الأولى, فيما التوقعات تذهب إلى أبعد من ذلك حين يشهر فريق الحرب الأميركي آخر أدواته, رغم أنها مستنسخة عن سابقاتها, وتتحدث عن حلول تتفاوت درجة الانجراف فيها تبعاً لاتجاهات الدوامة التي تتقاذفهم في العراق.
وهذه الأدوات, تتحدث عن طرح مقولة إعادة الاحتلال بالقوة إلى كل المفاصل, وإعلان السيطرة العسكرية, واستبدال السفارة والسفير بإدارة وحاكم عسكريين حتى حسم موضوع الانتخابات.
وإذا كان ذلك يتعارض مع مقولات الديمقراطية المدنية, فلا بأس من تجريبها عسكرياً وهي الأضمن وفق رؤية ذلك الفريق, لأن الشعارات المرفوعة من السهل استبدالها والحديث المسهب عن محدودية الفهم الحقيقي للديمقراطية, وقصور العقل العربي عن إدراكها يمكن أن يشكل البديل الموضوعي لكل تلك الشعارات.
وبرز هذا الاتجاه بشكل طاغ في الأيام الأخيرة مع وضع مشروع الشرق الأوسط (الأكبر) هذه المرة على نار حامية, مع تعديلات جوهرية في نسق التبريرات الموضوعة, والحاجة هنا لا تقتضي الإملاء فحسب, بل أيضا تتضمن اتهامات صريحة بالتخلف والقصور.
وباعتبار أن الوقت لا يسمح بالتأهيل الكافي لتجاوز التخلف والقصور, فإن الحسم يقتضي العمل على طرح بدائل تكون عوناً للأميركيين ولمشروعهم, واضطرهم إلى وضع قيادات مباشرة لذلك المشروع, تكون نقاط ارتكازهم المستقبلية.
من هنا كان الالحاح الأميركي بشقيه السياسي والعسكري انعكاساً لحضور فريق الحرب في قرارات الإدارة الأميركية, فيستعيد موقعه الذي اعتقد البعض أنه انحسر أو تراجع.
وبالتالي فإن الولاية الثانية للرئيس بوش, لابد أن تستغل منذ بدايتها وحتى قبل أن تبدأ فعلياً في الحادي والعشرين من كانون الثاني القادم, وإذا كانت الفلوجة وعمليات جنوب بغداد الأخيرة شواهد على الرغبة في سرعة الحسم, فإن الآتي هو ذاك الذي لم يحدث بعد, وإشراك البريطانيين في هذه العمليات ليس لمجرد العون التكتيكي, إنما هو تمهيد للاستراتيجية القادمة التي تقتضي استنفاراً سياسياً وعسكرياً لطاقات الأميركيين ومن بقي معهم في التحالف.