وفق ما نصت عليه مرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية 242 و338و 425 والمبادرة الأميركية القائلة بمبدأ الأرض مقابل السلام, يمكن أن تعني تغييرا أو تبدلا في الموقف السوري المعلن والمعروف, أو قبولا بالذهاب إلى طاولة التفاوض دون شروط وبتخل عن الثوابت الوطنية والقومية التي توجه سياسية سورية وتؤطر تحركها وعملها وتحكم علاقاتها مع الآخرين.
وما سمعه المبعوث الدولي تيري رودلارسن خلال زيارته قبل أيام من السيد الرئىس بشار الأسد حول هذه المسألة ليس جديداً, بل كلام صريح ومسؤول وموقف واضح كالشمس أعيد تكراره, يعكس مجدداً إيجابية دمشق وتعاطيها الصادق والمخلص والبناء مع هذه العملية والجهود والمساعي الدولية الرامية لإنهاء الصراع, ووضع المنطقة على أعتاب السلام الذي يمكن له أن يستمر, والقائم على أساس عودة الأراضي والحقوق كاملة إلى أصحابها العرب وانسحاب إسرائيل إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران العام ,1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس, ينبغي ألا يقرأ بغير ذلك أو يفسر في غير الوجهة الآنفة التي ما قبلت في الماضي ولن تقبل المساومة والتفريط..
وإذا كانت إسرائيل ومن يقف خلفها ومن موقع الهارب والمتهرب من التسوية ومن أي التزام يفضي إلى تحقيقها, قد تلقفتا الرسالة السورية بالسلبية المعتادة وتعمدتا الإساءة والتشويه والقراءة المغلوطة, قصد إظهار سورية الطرف الأساسي والمحوري في المعادلة, وكأنها العثرة والعقبة في وجه الحل والجهة المعنية بقبول الإملاءات والشروط الأميركية - الصهيونية والتخلي عن استقلالية القرار والتهاون في مسائل تمس السيادة والحق والأرض والكرامة لمصلحة شريعة الغاب والاحتلال, للتدليل على حسن النوايا حيال سلام بلا رصيد في بورصة التعامل الأميركية- الصهيونية, فلأن الحليفين الاستراتيجيين في واقع الأمر لا يريان لهما ولمشاريعهما ومخططاتهما الكونية مصلحة في السلام, ولا في رؤية هذه المنطقة بعد طول المعاناة تدخل بثوب الأمان والاستقرار.
لقد شكلت جملة المبادرات السورية المتلاحقة بالعودة إلى سكة مدريد, واستئناف العملية التفاوضية من النقطة التي وصلت إليها وتوقفت عندها, محك الاختبار للمصداقية والالتزام سواء للجانب الأميركي كوسيط وراع, يفترض فيه الحياد والنزاهة والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف, والإلقاء بكل الثقل لجعل السلام أمراً واقعاً معاشاً, أم للجانب الإسرائيلي الذي بدا في كل تصرفاته وسياساته وحماقاته العدوانية لأكثر من 14 سنة متصلة أبعد ما يكون عن التوافق والانسجام مع مبادىء وروحية هذا السلام, وعن التخلي -وخاصة الأميركي- عن عقلية المناورة والتسويف وإضاعة الوقت, والاحتواء التدريبي والمبرمج للمنطقة بوسائل البطش والترهيب والقوة الغاشمة, ومثلت إحراجاً ومحاصرة لهما زادت في تعريتهما وفضحهما أمام الرأي العام العالمي كقوى تسلط وعدوان لا شركاء سلام.
هم يعرفون حقيقة أن سورية تطلب السلام وتسعى من أجله ولا تستجديه وهي ما كانت يوماً في موقع الضعف واللاهث وراء حلول وتسويات هزيلة تنتقص من الحق والكرامة وتفرط بذرة تراب, وليست معنية بتوكيد ذلك ولا الدخول في مساومات أو القبول بمفاوضات بيزنطية عقيمة قد تمتد عشر سنوات أخرى, وتستخدم غطاء لمواصلة حروب الإبادة والتدمير والإلغاء واستكمال مؤامرة التصفية والإجهاز على القضية الفلسطينية.
والأجدى بالذين يحاولون اليوم عبثاً الافتئات والنيل من مبدئية وصلابة الموقف السوري, ويزاولون بحرفية عالية لعبة إشعال الحروب وتوزيع الموت وتعميمه بذرائع وحجج ساقطة, ويمارسون الإرهاب الرسمي المنظم والإبادة الجماعية بالنمط الديمقراطي -الدموي الوحشي والعنصري الجاري في فلسطين والعراق إثبات الأهلية والتوقف عن مواصلة العبث واللعب بالنار والاحتكام إلى لغة العقل والسلام, فذلك السبيل لإيقاف وتجنب الكارثة التي لن تكون في مصلحة أحد..