وتوقف البعض منهم عند قول السيد لارسن إن سورية مستعدة لاستئناف المحادثات من دون شروط مسبقة, وقفزوا فوق قوله: إن هذا هو موقف سورية الثابت وهي تجدده وتؤكد عليه اليوم..
وإذا ما عدنا إلى بداية عمليةالسلام, واستعرضنا الموقف السوري منذ افتتاح مؤتمر مدريد وحتى انفضاض محادثات (شيبردستاون) عام ,1999 يرتسم أمامنا خطٌ بياني واضح للموقف السوري, المستند إلى جملة من القواعد والأسس والثبات معاً, أهمها قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن ذات الصلة وتحديداً القرار 242 والقرار 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام.
وعندما يؤكد ( لارسن) أن سورية جددت موقفها المعروف من عملية السلام, فإنه بذلك يشير إلى الخط البياني الواضح الذي قطعته مفاوضات السلام بالرعاية الأميركية آنذاك وبالأسس التي قامت على أساسها عملية السلام, وعندما تؤكد سورية على أهمية الحفاظ على ما تم إنجازه فلأنها لا تريد مضيعة الوقت, ولا هدر الطاقات, ولا تبديد الإنجاز الذي تحقق آنذاك, وهو الإنجاز الذي يسجل للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون, الذي قاد المفاوضات بنفسه في كثير من الجلسات, وهو أبرز الشهود على وقائع المحادثات ويومياتها, وقد أدلى بشهادته في مذكراته, وكان صادقاً مع نفسه عندما حمّل الجانب الإسرائيلي مسؤولية الفرار من استحقاق السلام, وهو الفرار الذي غيّب إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل آنذاك عن ساحة العمل السياسي وحتى اليوم.
فالمشكلة ليست في طريقة أو أسلوب استئناف عملية السلام, ولا بقواعدها وأسسها والهدف الذي نتوخّى الوصول إليه تحت سمع وبصر العالم كلّه, وإنما في إرادة تحقيق السلام والرغبة في الوصول إليه والنهوض بمسؤولياته الجسيمة, وإعداد الرأي العام لما بعد السلام, وهذا ما لم توفره أي حكومة إسرائيلية منذ تأسيس هذا الكيان وحتى اليوم.
فالائتلاف المتطرّف الذي يحكُم إسرائيل برئاسة أرئيل شارون جزّار صبرا وشاتيلا, وفي كل يوم يسجل التاريخ لهذا الإرهابي الموصوف صبرا وشاتيلا جديدة, على مختلف تضاريس الخارطة الفلسطينية, هذا الائتلاف يواجه معارضةً أكثر تطرفاً, وأكثر إرهاباً, إزاء إجراءات اتخذتها الحكومة, هي بحد ذاتها إجراءاتٌ إرهابية تهدف إلى تشتيت الفلسطينيين أكثر من تشتتهم, وتمزيق خارطتهم السياسية والديمغرافية أكثر مما هي عليه.
فهل هذا المناخ يوفر إرادة سياسية لتحقيق السلام الذي نصت عليه الشرعية الدولية..?
ويكفي استعراض المستعمرات التي أقيمت على الأرض الفلسطينية والعربية, وسعير بنائها والإِنفاق عليها, للدلالة على أن إسرائيل لا تفكّر بالسلام ,وتتذرّع بمختلف أنواع الذرائع للتخلّص من هذا الاستحقاق, باعتباره يتناقض كلياً مع إيديولوجية قادتها القائمة على الاحتلال والتدمير والإبادة والإرهاب المنظم.
وعندما تلوح بادرة دولية لتحريك عملية السلام, يشترط الإسرائيليون بأن تكون عملية الاستئناف بلا شروط, لكنهم يسارعون لإطلاق جملة من الشروط, لا يستقيم إطلاقها مع البادرة ولا مع نوايا مطلقيها, والغريب أن تشاطرهم الإدارة الأميركية شروطهم حيث تلتقي هذه المواقف مع رفض أرئيل شارون للسلام واستحقاقاته, وفي مقدمتها الانسحاب من الأرض.
فاليد السورية الممدودة هي للسلام العادل, وللجهود المبذولة لتحقيقه, وللقادة والزعماء والمبعوثين الذين يريدون إحياء عملية السلام, وإيجاد السبل الموضوعية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي المزمن, والانتقال بالمنطقة إلى حالة الأمن والاستقرار, الذي من دونه لن يتحقق الأمن والاستقرار في العالم كله باعتباره واحداً من أهم أسباب التوتر الذي يشهده العالم والمنطقة معاً, لهؤلاء تمد سورية يدها لا للإسرائيلي المحتل, الذي يمارس القمع والإرهاب والإبادة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل..
وللساعين إلى السلام على خارطة العالم كله, نسأل ونتساءل: هل قدّم الإسرائيليون أي دليل يجعلُنا ويجعلُ العالم كله يثق بأن لديهم الرغبة أو يمتلكون الإرادة الصادقة في تحقيق السلام..? أليست طروحاتهم عن السلام والشروط المرافقة هي عملية تغطية على ما يضمرون ويخططون..?
وعندما نعبر عن إرادتنا في تحقيق السلام كلما أراد المبعوثون سبر موقفنا, فلأننا نريد السلام فعلاً, ونستعجل تحقيقه وندفع به لكننا غير مستعدين للتفريط بالأرض, ولا نقبل لسيادتنا أن تُمس, ذلك أن السلام هو خيار من خياراتنا نشاطر المجتمع الدولي ومؤسساته الرؤية والتوجه والقرارات إزاءه, وهذا ما يحمّل الأمم المتحدة ومبعوثيها وفي المقدمة ( لارسن) القيام بالمهام, وتحمّل المسؤولية بعيداً عن التأثيرات المختلفة التي يمكن أن تحدّ من تطبيق المبادئ والقرارات بشكلها الأمثل, حيث يحقق السلام بداية لعالم خالٍ من الصراعات وبؤر التوتر, عالم يسوده السلام والعدل والديمقراطية في العلاقات بين الدول, ويعمّق الحوار بين الدول والحضارات في عالم اليوم..
وعندما نقذف كرة السلام في الملعب الدولي يتقاذفها الإسرائيليون خارج الملعب للاستفادة من الوقت الضائع المهدور في العراق وفلسطين, أما إعادة الكرة إلى حيث يجب أن تكون فهي مسؤولية دولية, وفي المقدمة مسؤولية الأمم المتحدة ومبعوثيها, ومسؤولية الإدارة الأميركية التي تصدّت إداراتها السابقة لهذا الفعل الكوني المطلوب والمرتجى..
لقد توقف المتابعون والكثير من وسائل الإعلام الغربية.. والعربية عند مقطع من تصريحات (تيري رودلارسن) المتعلق باستئناف المفاوضات من دون شروط, حسب التصريح, وقفزوا فوق مقطع آخر يؤكد ثبات الموقف السوري من عملية السلام والتأكيد عليه اليوم..
فالمشكلة تكمن في إمكانية توفر إرادة السلام لدى القيادة والمجتمع الإسرائيلي والالتزام بالشرعية الدولية فقط, وعندما تتوفر مثل هذه الإرادة وتُعلن على الملأ, يُصبح السلام في متناول اليد, وفي مرمى البصر, وفي إطار الزمن لا خارجه, وتصبح الكرة التي يشتتها الإسرائيليون في الهدف الذي ينتظره العالم كله.