وإذا كان الأميركيون يستعجلون الانتخابات كبديل وحيد للورطة التي تتفاقم بغض النظر عما يجري, فإن العراقيين, وإن تباينت درجة امتعاضهم من الاستعجال الأميركي يقرؤون المشهد برؤية مغايرة وبديلة.
ولعل الإصرار على التطهير العسكري كجزء من عملية التحضير للانتخابات هي الشكل الموازي للمأزق ,بحكم أن أكثرية العراقيين الذين أوغلت القوة الأميركية في استهدافهم, لم يعد يغريهم ذلك المشهد, بل هو يثير اشمئزازهم وحنقهم , ولاسيما بعد أن كانت الحصيلة المزيد من القتل والتدمير الممنهج .
وتبرز الإشكالية في السياسة الأميركية المتبعة من خلال التحضيرات المتتالية لحملات عسكرية تتسع مساحتها وتكبر دائرتها, دون أن تقدم في الواقع ما يخدم تطلعات العراقيين, بل هي في الواقع الفعلي تكرس الخيبة والفجيعة.
لذلك لم يعد الوقت هو الإشكال الوحيد الذي تتفاقم أعراضه المرضية, بل يضاف إليه ذلك الكم من البدائل والاحتمالات المطروحة,والتي تبدو جميعها غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى مما كان ينتظره العراقيون .
ربما كان أغلبهم يعتقد أن الولاية الثانية لبوش ستكون حصيلتها ومنذ البداية المزيد من الإحباطات, غير أنهم في الوقت ذاته كانوا يعولون على بعض المؤشرات لتجاوز حالة القطيعة القائمة .
ولكن النفق على ما يبدو كان مظلما أكثر مما توقعوه,وكان ممتدا وطويلا أكثر مما تخيلوه , وهم اليوم عندما يحصون بعض ما أنتجه الفعل الأميركي خلال أقل من شهر,يجدون تقهقرا مزمنا حتى في البدائل التي كانت مطروحة.
ويتوازى ذلك مع إدراك الحكومة العراقية, بأن الاستعجال الأميركي يزيد من الورطة, ويفاقم من المآزق لدرجة التفكير بالانضمام إلى قافلة المطالبين بالتأجيل ولو أدى ذلك إلى إغضاب الأميركيين .
وبعد أن انطوى مؤتمر شرم الشيخ الدولي بوعوده ومواعيده, ولم يبق للعراقيين سوى التركيز على خياراتهم الذاتية, والبحث عن سبل تفعيل أولوية الأمم المتحدة في إدارة أزمتهم, وليس حلها, فإن الحديث عن البدائل المتاحة, يبدو جديا,ولاسيما بعد أن تزايدت المؤشرات على أن الأميركيين يفكرون هم بطرح بدائلهم, ودخلوا في سباق مع الزمن لتكون الخيار الأخير في حال الفشل .
ومادام الأميركيون يستعجلون خياراتهم وبدائلهم, أليس من حق العراقيين البحث بشكل جدي عن بدائلهم الذاتية, والعمل الحثيث على استنهاض الأدوات المتاحة لتغيير اتجاهات الاستراتيجية القائمة التي تغرقهم أكثر, وتخلق الكثير من العقبات التي تواجههم?
قد يكون الفعل العراقي منوطا بالكثير من المعطيات والتطورات بحكم التأثير المباشر على خياراتهم, ولكنه في المطلق يجب ألا يبقى أسير الأزمة الأميركية ذاتها, ولا أن يكون معبرا في أي حال عنها, أو جزءا تابعا لها .
وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن انقسام التركة, وعن الانشقاق والفصل والتباعد بين ما يمكن أن يطرحه العراقيون, وبين ما يحاول أن يمليه الأميركيون, فإن التفكير والإعداد لمثل ذلك السيناريو لم يعد مستبعدا,ولاهو في إطار التخيلات .
والأمر يزداد إلحاحا وأولوية مع تزايد مؤشرات الفشل الأميركي, وخصوصا بعد أن وصلت استراتيجية القوة المتبعة حد الإفلاس, وهي في حصيلتها النهائية تطرح ما هو أكثر من الفشل, وإن كان الأميركيون حتى اللحظة لا يريدون الاعتراف, ولا يرغبون في الإقرار.