في رأيه (الإسرائيليون شظايا, الفلسطينيون شظايا. هذا وقت رديء, بل وكارثي, للسلام). يفترض أن يكون الفاعل, فاعل كل هذا, مجهولا حتى يظل القاتل, قاتل كل هؤلاء الناس, مجهولا..
ربما تأثر المعلقون الإسرائيليون بالأسلوب التوراتي في تصنيع الصور: ليلة الكريستال, ليلة السكاكين الطويلة. أخيرا, ولدى التصويت على خطة فك الارتباط, قيل (ليلة الأرانب) بعدما هرب بنيامين نتنياهو إلى خارج القاعة, قبل أن يعدو مهرولا حين أتى من يحذره, وصحبه, من أن آرييل شارون سيوقع في الحال قرار إقالتهم من الحكومة.
كلهم يرتطمون, أخيرا, بالدم ويتناثرون. تذكرون دافيد بن غوريون, وهو النبي المسلح, كيف بدا وقد تلاشى قائلا: (أذهب وفي ذاكرتي كل ذلك الدم). فيما قال عزرا وايزمان (تلك الأحذية التي تقود أرواحنا), ودون أن ننسى مناحيم بيغن وقد التف ببطانية الصوف خوفا من كل تلك القبور التي تلاحقه. مات أيضا داخل بطانية الصوف وكتب آمنون كابليوك: (لماذا يفترض بكم أن تنتهوا هكذا... معماريي العدم)?.
الآن إسرائيل شظايا. أجل دولة الشظايا. الجميع ضد الجميع. حزب العمل وقد ترهل وتناثر, الليكود يتهاوى. إنها الحرب الحامية الوطيس. من يقتل من: آرييل شارون أم بنيامين نتنياهو?... وفي نهاية المطاف, يتبارى الاثنان: كيف نقتل العرب بصورة أفضل?
بطبيعة الحال. إننا معنيون بما يحدث هناك. ترسانتهم العسكرية أضحت اسطورية, ولقد كتب بول ماري دولا غورس (هذه دولة تخنقها القوة), فيما ايديولوجيا القتل مازالت قائمة على قدم وساق. ولكن ما يعنينا أكثر, وأكثر, وأكثر, هو اللحظة الفلسطينية. هذه لحظة فلسطين فمن يلتقطها..?
الأيام الأخيرة اثبتت كم أن الفلسطينيين الذين, لهذا السبب أو ذاك, وما أكثر الأسباب, عاشوا بين التشتت والشتات, بحاجة إلى أن يصبحوا شعبا واحدا, أجل نقولها بالفم الملآن, لأن هناك من عمل, وعلى ذلك النحو المنهجي اللامرئي, على تحويل الفلسطينيين إلى شعوب معدة للتقاتل في ما بينها. التقاتل حول ماذا? الذين تابعوا محادثات (أو مفاوضات) توحيد الفصائل, فوجئوا المرة تلو المرة بالنتائج. تعلق المحادثات (أو المفاوضات) على لا شيء فيما طائرات الأباتشي تلاحق الأطفال في أزقة غزة ورفح وخان يونس. هل تريدون أن نستفيد من تجربة هوشي منه وكيف وحد ثلاثة عشر فصيلا فيتناميا تحت مظلة الفيتكونغ. كانت المسافات كبيرة بين الرجال, لكن القضية كانت كبيرة, تمثلا باللحظة الفيتنامية الكبرى, لماذا لا تكون اللحظة الفلسطينية الكبرى?
هذا وقت قد يكون صالحا للحزن, أو للترقب, أو للرجاء. لكل نظرته الخاصة إلى الأمر. هذه طبيعة الأشياء, لكن قوة الأشياء هي التي تقول إنه حين يتحول القتلة إلى شظايا, يفترض بالمقاتلين (من أجل الأرض ومن أجل الحرية ومن أجل العدالة) ألا يكونوا كذلك أبدا. ولنتصور ماذا فعل التشتت بالفلسطينيين, وهم القوة الهائلة التي لو توحدت من أجل فلسطين لتغيرت أمور كثيرة, ولكن أليس وقت الحزن, أو وقت الترقب, أو وقت الرجاء, هو وقت الحقيقة أيضا?
ثمة بين الفلسطينيين, بين القادة تحديدا, من لا يستشعر رياح النكبة الكبرى وهي تهب -حتى من الداخل- وثمة من يلعب, مخمليا أو خشبيا, بالمواقف رغم كل هذا الدم, ورغم كل هذا المجهول. من يصرخ: أيها الفلسطينيون استيقظوا. قبل الدولة, قبل الايديولوجيا, قبل خارطة الطريق (وقد تحولت إلى خارطة... قطع الطريق), اجلسوا حول طاولة مستديرة, إذا لم يكن باستطاعتكم الجلوس إلى طاولة مستطيلة, ولا تخرجوا من المكان قبل أن تحرروا- أو توحدوا- فلسطين في داخلكم. حينذاك تصبح لكم خارطة طريقكم, وهي غيرها التي تطبخ في الأقبية, وتصلون, وتصلون, وتصلون...
قطعا لن تكون ليلة الفلسطينيين.. ليلة الأرانب!