وذلك على خلفية السياسة الإرهابية والدموية المنتهجة في الأرض المحتلة, والتي تعتمد سياسة الأرض المحروقة وإبادة وتصفية الشعب الفلسطيني ومحوه من الخارطة السياسية للمنطقة, بصور وأشكال بزت في وحشيتها وهمجيتها أساليب النازية وأصابت العقل البشري بالصدمة.
ولعل التقرير السري الأخير الذي أعدته وزارة الخارجية الصهيونية حول هذه المسألة, والذي يحذر من أن /إسرائيل/ قد تفقد شرعيتها الدولية وتصبح منبوذة, يكشف إلى أي مدى وصلت إليه الخشية الإسرائيلية والتردي والتدهور الكبير لصورة كيانها المسخ في الخارج, وحجم الاستياء والغضب اللذين تلقاهما في الساحة الدولية والأوروبية منها بوجه خاص,بواقع عوامل كثيرة وسلوكيات وتصرفات عدائية, ظلت حتى الأمس القريب ولضغوط وسياسات معينة من المحرمات وخارج حدود الإثارة والانتقاد, وراكمت مخازين كبيرة من الكراهية لم تستطع مظلة الدعم والتغطية والحماية الأميركية التقليل منها, والحيلولة دون تفشيها وطغيانها ظاهرة هي في كل المقاييس, تحول نوعي إيجابي في فهم ونظرة وقراءة الرأي العام العالمي, للأحداث والتطورات ولطبيعة الصراع المحتدم بمعزل عن إملاءات وابتزاز وقراءات اللوبي الصهيوني وحليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة.
وإذا كان قد قدر للعالم أن يصمت ويتجنب المجابهة مع إسرائيل وسياستها, فقد دفعته شراسة ووحشية الهجمة وفظاعات وهول الجرائم المرتكبة يومياً في قطاع غزة والضفة الغربية, واستباحة المدن والقرى والمخيمات وتحويلها إلى مناطق منكوبة يلفها الموت والخراب والدمار, ويقتل فيها الأطفال بدم بارد بالرصاص وقذائف الدبابات وصواريخ الطيران الحربي الموجهة, واضطر تحت ضغط الشارع والرأي العام وتقارير المنظمات الدولية المختصة والأمم المتحدة لرفع عقيرة الإدانة, والتحذير من مغبة وتبعات هذه السياسة المجنونة والمدمرة لعملية السلام التي لم يعد لها من وجود إلا على الورق .
وليس هناك من شك في أن انتفاضة الشعب الفلسطيني وتضحياته الكبيرة قد أوجدت هذه المعادلة وكرست في المعطيات والوقائع المأزق الكبير المتعدد الوجوه للكيان الصهيوني, وفرضت رغم الاختلال الكبير في ميزان القوة وبضريبة الدم والاستشهاد نوعاً من (توازن الرعب ) مع الاحتلال وشارعه العنصري المتطرف والمهووس بالجريمة وعقد التفوق , تلك التي أثبتت عقمها وفشلها في أخذ واحتواء الشعب الأعزل, وسقطت معها نظريات الأمن والسلامة وسياسة القبضة الحديدية, ووعود شارون المسقوفة بمائة يوم مدة محددة لقصم ظهر الانتفاضة وتركيعها.
ولما كان نهج التصعيد العسكري والقتل الهستيري المحموم وإغراق الأرض المحتلة بالدم والحرائق, ومحاولات التعميم والتصدير وفتح جبهات موازية تتقصد الإلهاء والمشاغلة والتخفيف والهروب إلى الأمام وإقالة المشروعين الإسرائيلي والأميركي من تعثرهما, تمثل أحد التجليات للمأزق الصهيوني العام وأزماته المستفحلة على الصعد كافة وفشله في إثبات أهليته في أن يكون نداً في معادلة السلام, فإننا في الموازاة كعرب مطالبون بإلحاح بتوظيف واستثمار هذه الحالة, والعمل بكل ما نستطيع من جهد وما نملك من وسائل وهي كثيرة ومؤثرة, في اتجاه الضغط أكثر وتعميق هذا المأزق وإحكام طوق العزلة حول إسرائيل, وجعلها تدفع استحقاقات حماقاتها وجرائمها الموصوفة وتحديها ورفضها أن تكون جزءاً من مشروع السلام, وهو أمر كفيل بأن يقلب حسابات الداعم والحليف الاستراتيجي ويصوب سياساته ويجعلها أقرب إلى العدل والحق والشرعية الدولية.