العالم ورغماً عنه وجد نفسه جزءاً من هذه الانتخابات ليس حباً في التدخل بالشؤون الأميركية, كما تفعل أميركا معه, ولكن سياسة أميركا الخارجية, والتداعيات التي نتجت عنها على صعيد العلاقات الدولية, فرضت عليه الاهتمام وترقب هذه الانتخابات, رغم الفوارق البسيطة بين ما طرحه كل من بوش وكيري إزاء الأوضاع الدولية ونظرة الولايات المتحدة إلى مستقبل هذه الأوضاع وكيفية التعاطي معها بما لا يسهم في زيادة الانقسام القائم, ويؤسس لمرحلة جديدة يعاد النظر فيها بالسياسة الأميركية الخارجية.
لقد فتحت هذه الانتخابات النقاش الدولي حول الديمقراطية الأميركية, ودور الحزبين الرئيسين ( الديمقراطي والجمهوري) في تغييب صوت الناخبين والإنصات لمطالب الشركات الكبرى, التي لا تهتم إلا بالسعي لتوسيع نشاطاتها واحتكاراتها, وجني المزيد من الأرباح على حساب أمن واستقرار الأميركيين والعالم, وتوسع النقاش ليشمل المساوىء المترتبة على تضمن الحملات الانتخابية لكلا المرشحين بوش وكيري سياسات وبرامج لا تمس الشعب الأميركي بصلة ,وتعد تدخلاً في الشؤون الداخلية لدول أخرى خلافاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
العالم يترقب نتائج الانتخابات ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً هي الأكثر انشغالاً بذلك, ليس من قبيل علاقاتها الوطيدة والمستقرة مع الولايات المتحدة بل للدور الأميركي المهيمن على المنطقة عسكرياً وسياسياً, وخطط الولايات المتحدة المعلنة لإعادة تفصيلها بما ينسجم مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة وأطماع إسرائيل المتجددة.
للأسف التعاطي والترقب العربي مع هذه الانتخابات لم يختلف عن سابقاتها رغم (اللغو) الذي لم يتوقف عن ضرورة تشكيل لوبي عربي وإسلامي يحد من هيمنة اللوبي الصهيوني على الناخبين الأميركيين ومرشحيهم, والذي فرض نفسه بقوة على برنامجي بوش وكيري الانتخابيين, واللذان تسابقا وتعاركا علانية لإثبات ولائهما لإسرائيل على حساب العلاقة الأميركية- العربية والمصالح المشتركة فيما بين الجانبين, فغابت كلياً التعهدات الأميركية بتحقيق السلام في المنطقة, وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تنهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عن برامج بوش وكيري, واستعيض عنها بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها, والحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة, وإلزام الأميركيين بتمييز اليهود عنهم عبر القانون الذي وقعه بوش حول معاداة السامية, بالإضافة إلى قائمة من التعهدات المعلنة والسرية والتي تنكشف لاحقاً بعد انحسام المعركة مساء هذا اليوم.
ما نريده من الرئيس الأميركي المقبل أن يكون صادقاً مع الشعب الأميركي قبل غيره, فذلك كفيل بإحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية الأميركية التي وضعت أميركا في العقد الماضي على قمة القوى المهددة للأمن والسلم الدوليين ,وفاقمت الكراهية للولايات المتحدة إلى حدود خطيرة في العالم.