ولكن هذه الملاحظة لا تقلل ابدا من اهمية النص الذي كتبه وليد سيف ولا تمس جوهر مشروعه الدرامي والذي تتضح معالمه عملا بعد آخر.
يكتب سيف الدراما التلفزيونية بروح روائي, حيث وجهات النظر المتعددة والرؤى المنفتحة والشخصيات المعقدة البعيدة عن التبسيط والنمذجة, ليس في نصوصه من أحد اسود بالمطلق او ابيض بالمطلق ,ليس من احد مخطئ بالمطلق او مصيب بالمطلق.. وكذلك ليس هناك احكام صارمة او مقولات وافكار نهائية لا تقبل النقاش ..
وكلها امور يصعب التصور ان تستوعبها الدراما التلفزيونية التي حاول الكثيرون ترسيخ سمات مختلفة لها ولا سيما التبسيط الشديد من اجل الوظيفة الوعظية التعليمية..!
وهو اذ يعود الى التاريخ ليستعيد ا سماء كبيرة واحداثا ملحمية ومواقع خالدة مؤمنا بذلك فرجة تلفزيونية غنية فانه يخفي وراء هذا اهدافا اكثر خطورة :
نزع القداسة عن الماضي واخضاع اكثر العصور بهاء واكثر الرموز عصمة الى مساءلة دنيوية تعيد للاسلاف طبيعتهم البشرية وتؤطر اعمالهم بمنطق التاريخ الانساني الواقعي..مما يتيح بالتالي البحث بجدية وواقعية في جذور الراهن المأزوم وفي الاسباب الحقيقية للمآل المأساوي لاحلامنا ومشاريعنا الكبيرة.
في ( التغريبة) واضافة الى عرض تلك المؤامرة الكبرى التي احيكت ضد فلسطين والظروف الاستثنائية التي قهرت اهلها ,فان سيف يعرض اساسا لتلك العقلية العربية التي ساهمت في الهزيمة موليا قدرا اكبر من الاهتمام للعوامل الذاتية من بنى اجتماعية متخلفة وافكار بالية مستقرة وسذاجة كان العصر قد تجاوزها ..
هذه هي ملامح مشروعه الشيء الذي يؤهله ليكون علامة فارقة ومكسبا للدراما السورية.