تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الخميس 4 /11/2004م
أنيسة عبود
هذه المرة فزعت من غيابه.

لا أريد أن اعتاد هذا الغياب.. أريد للهفتي أن تظل نضرة كورود الأدراج التي أسقيها كل صباح.‏

لا أريد أن أمر بالمرآة فلا أغير تسريحة شعري قبل أن يأتي. ولا أريد أن لا يرتبك قميصي عندما تسبقه دعساته إلى العتبة. ما أسوأ هذا الهدوء الذي في داخلي.. قال: لا أقدر أن أجيء في المساء. فقلت: كما تشاء.. كأننا نتحاور حول أشياء تافهة ,لا أشياء مصيرية تتعلق بالوجود وبإيقاف الزمن.‏

هو لا يريد أن يأتي. وأنا لا أجد دمعا أذرفه على خيبة لم تعد خيبة.‏

هو المسؤول. وربما الزمن. ربما المسافات. وقد تكون الأيام التي تعبرنا رتيبة, بليدة هي المسؤولة عن رتابة مشاعرنا.‏

بل أنا المسؤولة.. أحيانا أبادله مجاملته بمجاملة باردة كان من المفترض أن أصرخ أو أحتج.. أو أكسر انتظارا مملا كل صباح.‏

لا أعرف كيف نسيت الإلحاح واعتبرته يمس كرامتي.. ولا أعرف لماذا ألمس الحقائق وأسكت عنها.. هل حولني هذا العصر إلى حجر شطرنج أتحرك على هواه? يقول لي: انتظري هاتفي, فأنتظر. ويقول لي: عندما أستطيع المجيء سأحضر.. ويقول: غدا لا وقت عندي فأصمت أو أقول: كما تشاء.. لماذا لا أحطم الهاتف?! لماذا لا أقرر أنا متى يزورني وكيف?!‏

يا لهذه الرتابة في ترتيب الورود وترتيب الوسائد على الكنبة الكبيرة. أتحرك بتثاقل وأردد بهدوء تام: لا يقدر أن يأتي? فليكن. سحبت كرسيا إلى الشرفة أراقب أول حبات المطر.. لم انتبه إلى الجارات يجمعن ثرواتهن التافهة عن الشرفات.. كنت لا أرى ما يدور في الخارج فقد كنت مشغولة برؤية الداخل.. كم صخرة تحطمت في أعماقي? كم شجرة قطعت في قلبي..? من أتى بكل هذه السكاكين وراح يحز عشب روحي? لماذا لا أحتج على شيء? فأنا منذ زمن لا أحتج على جارتي التي تحولت إلى شاعرة بعد أن طلقها زوجها وراحت تمطرني بقصائدها التافهة. ولا أحتج على ما يدور في عملي... بت أرى وأصمت.. أو لا أرى أبدا. أو أردد عبارة (كما تشاء) هل أنا مهزومة?? لماذا إذن اشتريت عطرا يوم أمس? ولماذا أوصي ذلك الغائب على أشياء كثيرة تتعلق بالزينة والأناقة?!‏

هل تعلمت الصبر أم تعلمت المجاملات الخانعة?! أم تحولت إلى امرأة بألف وجه.. امرأة زائفة لا تجرؤ على قول الحقيقة? أو ربما أنا مهزومة لا أجرؤ على المواجهة وإلا كنت قلت لتلك التي تقرض فتات الشعر: أنت لا شيء.. وكنت قلت لجارتي: اجمعي غسيلك عن الشرفات فأنت لا شيء.. وكان علي أن أقول للذي انتظرته طويلا: لا تأتي. لكنني استقبلته وطوقته بذراعيّ.. وضع هداياه عند الباب.. كيف عاركت دمعة لا أدري. من أين جاءت تلك الدمعة. ألم أتصخر بعد.. ارتبكت أمامه.. كأنه لم يقهرني في الغياب. وكأنني ما عشت الشكوك ثم الألم ثم بداية النسيان. شعرت أنني أسامحه. أهذا هو الحب?! ننسى ونغفر بسرعة..?! غير أنني لا أجد تفسيرا لشعوري المفاجىء. حيث كانت خطواته تملأ المنزل.. وهداياه مرتبة على الكنبة. وعطره يملأ يدي.. إلا أنني رحت أمشي وراءه وأبحث عنه.‏

 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 30382
القراءات: 30388
القراءات: 30379
القراءات: 30388
القراءات: 30383
القراءات: 30384
القراءات: 30386
القراءات: 30378
القراءات: 30387
القراءات: 30390
القراءات: 30385
القراءات: 30386
القراءات: 30384
القراءات: 30387
القراءات: 30383
القراءات: 30384
القراءات: 30384
القراءات: 30388
القراءات: 30396
القراءات: 30385
القراءات: 30385
القراءات: 30390
القراءات: 30393
القراءات: 30385
القراءات: 30384
القراءات: 30386
القراءات: 30382
القراءات: 30384

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية