الانتخابات الأمريكية التي وكأنما علق عليها مصير البشرية اشتعل ضرامها هذا الأسبوع, فألهبت الدنيا بنيران الإعلام.. ولم تعد هناك محطة إذاعية أو تلفزيونية خاصة أو رسمية إلا وخصصت من أوقاتها حيزا كبيرا لتغطية هذا الحدث العظيم.. وربما إفراده وحده نظرا لأهميته.. وها هو العالم كله يحبس أنفاسه انتظارا للنتيجة الحاسمة والنهائية التي على هداها أو خطاها تسير السياسات وتقرر المصائر.. وتستنير البصائر.
ولو توقفنا لحظة وسط هذا الزحام الرهيب للموكب العالمي السائر أو المتعثر في السير نحو السياسة الأمريكية لوجدنا في وقفتنا هذه الخطا الخفية التي تحفر طريق العولمة أو العالمية والتي تسوق الأمم لكي تتبعها أو تسير على إثرها أو تتعرف إليها على أقل تقدير.
إن هذه الظاهرة الفريدة والعجيبة في الاهتمام بالانتخابات الرئاسية الأمريكية من حيث كونها حدثا مهما وحاسما للقوة العظمى التي تحتل مسرح الأحداث كله كانت الأولى من نوعها.
ولا مجال للكلام عن أساليب الدعاية ولو على سبيل المزاح والدعابة التي لجأ إليهما الإعلان أو الإعلام على حد سواء في حماسه لأحد المرشحين البارزين وهما جون كيري وجورج بوش, وهذا الأخير اعتصم في البيت الأبيض لساعات انتظارا للنتيجة وكأنها نتيجة امتحان من الامتحانات المدرسية أو الجامعية. وسائل لا تحصى انتشرت في العالم كله كان أطرفها أن أحد المطاعم في الصين قدم أطباقا من الطعام تحمل اسم كل من المتنافسين بوش وكيري ويمكن للزبون أن يختار أحدهما ليس تعبيرا عن رأيه بالطبع وإنما هي وسيلة من وسائل الدعاية لبيع الأطباق.. وهكذا الأمر في أنواع الدعاية في مناطق أخرى يسمع فيها هدير الانتخابات فما هو القول إذا في أمريكا نفسها من أقصاها إلى أقصاها ومن أعلى نقطة فيها إلى أدناها?
كل هذا يحاول أن يصهر العالم في بوتقة واحدة هي (العولمة).. وإذا كانت قد تجلت في هذه المناسبة فهي تمهد لا للسيادة الأمريكية فحسب على هذا العالم بل للقبض عليه وإخضاعه للسير وراء الخطا الخفية للإمبراطورية الأمريكية والصهيونية العالمية التي توصل البشر في نهاية الطريق إلى تسليم زمام أمورهم لفئة معينة انفتح أمامها طريق الخلاص والهناء على الأرض قبل أن ينفتح في السماء وهي المخولة أو المسؤولة عن الخرائط والثروات.. وعن الأجناس البشرية والأعراق بل عن كل التقسيمات.
وإذا كانت الخطا الخفية تقود العالم إلى عولمته فإنما تقوده عبر شبكات معقدة من المصالح الاقتصادية.. وعبر متاهات من الأفكار العقائدية وغير العقائدية.. وتحت شعارات مكافحة الإرهاب أو الأصوليات وصولا إلى الانصياع.. ولو بالكذب والخداع.. وأن تصبح العصا في يد الراعي العملاق وحده فإذا به يسير.. والعالم وراءه يسير ولا أحد سواه يملك القرار والمصير.. ولو كانت الطريق تؤدي إلى القتل والخراب والدمار وبئس المصير.
إنها ملامح الطريق إلى العولمة وما لها من بداية في مطلع هذا القرن.. وإذا العين لم تر تلك الخطا الخفية فإن عليها أن تراقب.. وإذا لم تكن تسمع فإن عليها أن تصبح آذانا صاغية لما يمكن أن يسمع.