وجاءت مواقف الأغلبية العظمى للقادة المهنئين لبوش, كما للسياسيين ومراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي, وكأن هذه المواقف شهدت تنسيقاً حقيقياً سابقاً لإعلانها, حيث أتت منسجمة في الرؤى والتمنيات لجهة التركيز على دعوة واشنطن وإدارة الرئيس بوش الجديدة إلى احترام مبادىء التعددية والتصالح مع الأسرة الدولية, ونبذ العمل المنفرد الذي تسبب بانقسامات حادة داخل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
وإذا كان الأميركيون قد حسموا خيارهم لصالح بوش بإعادة انتخابه, وأرادوا بذلك توجيه رسالة ما إلى شعوب العالم, فإن برقيات التهنئة لرئيسهم الفائز حملت رسالة له وللشعب الأميركي من نوع آخر, تتضمن احترام خيار الأميركيين, لكنها تدعوهم إلى الاعتراف بأنهم غير قادرين على قيادة العالم بمفردهم من جهة, ومن الجهة الأخرى تطالبهم باحترام خيارات الشعوب الأخرى والتعاون معها بعيداً عن محاولات فرض الإملاءات, وقبول الاستماع إلى الآخر بدلاً من محاولة إلغائه وممارسة الضغط عليه لتحقيق مصالح ذاتية.
وإن هذا التوافق والتطابق في دعوة الولايات المتحدة إلى التعامل مع الاستحقاقات الدولية المهمة بلغة التصالح والتعاون بعيداً عن لغة الهيمنة والتفرد, لا يمكن فهمه إلا في هذا السياق, ذلك أن السنوات الماضية خلقت المزيد من الاضطرابات والانقسامات الدولية التي أضرت بالسلام والأمن العالميين, وبالعلاقات الدولية, وبالتالي فإن إدارة الرئيس بوش مدعوة لإعادة النظر في توجهاتها السابقة, وإجراء مراجعة لمجمل سياساتها الخارجية بما يؤسس أو يساعد على تأسيس مناخ من الاستقرار, والتعاطي مع القضايا الدولية من منطلق الحرص على مبادىء الأمم المتحدة والقوانين الدولية, وبما يحقق العدالة والسلام الذي تنشده جميع الشعوب والقوى المحبة للسلام.
وليس من قبيل المصادفة أن يركز العديد من قادة العالم في رسائل التهنئة للرئيس بوش على ضرورة إعطاء عملية السلام في الشرق الأوسط الاهتمام اللازم والدفع القوي بهدف تحقيق السلام العادل والشامل, وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
فهذا التركيز الدولي في الدعوة للاهتمام بعملية السلام, وإن تميز بلغة دبلوماسية تخلو من الانتقاد الصريح للسياسة الأميركية, إلا أنه ينطوي على دلالة واضحة بعدم قبول الانحياز الأميركي لإسرائىل ورفض تبني واشنطن لسياسات شارون, فضلاً عن أنه يعتمل في طياته مطالبة باعتماد سياسة متوازنة وإيجابية في المنطقة إزاء القضية الفلسطينية والعراق ومسألة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وفي المقدمة إزالة وتفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم.
وفي الشق الآخر من رسالة العالم إلى واشنطن تأتي الدعوة إلى ضرورة التعاون مع الأسرة الدولية في مكافحة ظاهرة الإرهاب الدولي بمعالجة الأسباب والجذور, بالحوار ومحاولة إيجاد الحلول لمشكلات الفقر والجوع والحرمان, والتعاون في مجالات الاقتصاد, والتواصل في ميادين العلم والفكر والثقافة بما يحقق التكامل الحضاري, وليس بمفاهيم الحروب الاستباقية والضربات الوقائية التي تؤجج الصراعات وتفاقم المشكلات وتخلق الانشقاقات فتغذي الإرهاب وتغرق العالم في الفوضى وحمى المآسي وويلات الحروب..فهل وصلت الرسالة?!.