والوصف الذي يطلقه بعض الأميركيين المأخوذين بوهم الدعاية الاسرائيلية, أو الموالين للصهيونية بأن إسرائىل دولة ديمقراطية لايغير من حقيقة كونها كياناً عنصري الطبع والطابع والتركيب والتكوين والنشأة والتوجه, أما الديمقراطية التي يروج لها في أميركا عن اسرائيل فهي ديمقراطية منغلقة على اليهود الغربيين فقط, فيما الوجه الآخر لها والذي يغيب عن أذهان المخدوعين بها, هو أنها تنقلب تمييزاً بغيضاً بحق اليهود الشرقيين من جهة, والعرب من جهة ثانية.
وبعيداً عن أوجه ممارسة العنصرية بحق هؤلاء في التوظيف والمواطنة, والوظائف وتوزيع مفاصل السلطة والمعاملة اليومية, سنقف عند موقفين جديدين يندرجان في سياق سياسة التمييز العنصري الممارسة يومياً في اسرائيل; الأول لشاؤول موفاز وزير الحرب الاسرائىلي, والثاني لرئىس وزرائه أرئيل شارون, يكفي كل منهما لاسقاط قناع الديمقراطية عن اسرائىل وإثبات أنها مركب عنصري يمارس العنصرية سياسة يومية رغم محاولات تغليفها بأكاذيب الأمن وتوفير الملاذ الآمن لليهود.
موقف موفاز تجلى بأوامره التي أصدرها أول أمس للتسريع ببناء الجزء الجنوبي من الجدار العازل, فيما موقف شارون تجلى بدعوة يهود فرنسا إلى الرحيل والهجرة لاسرائيل قبل أيام قليلة, ما أثار أزمة سياسية بين فرنسا واسرائىل ما زالت تتفاعل بتداعياتها المؤثرة على وضع العلاقات الفرنسية الاسرائيلية.
والموقفان كلاهما عنصري, لأن الأول يهدف إلى فرز واقع عنصري مكشوف يتجلى بعزل الشعب الفلسطيني ضمن معازل وكانتونات تقطّع أوصاله وجسور تواصله في مدنه وقراه بسبب تداخل الجدار في الأراضي المحتلة والتفافاته حول مدنها وقراها,فيما يهدف الثاني إلى تحويل اسرائيل إلى دولة يهودية خالصة من خلال استقدام هجرات يهودية جديدة من دول العالم المختلفة.
موفاز يريد التسريع ببناء الجدار العازل واستكماله لممارسة أبشع أوجه العنصرية بحق الشعب الفلسطيني, وشارون يريد تهجير يهود فرنسا على طريقة سابقيه من رؤساء الحكومات الاسرائيلية بتهجير يهود أوروبا الشرقية وبعض دول المنطقة وروسيا ويهود (الفلاشا) لممارسة اقبح أوجه العنصرية بهدف الدولة اليهودية الخالصة.
وفي ظل هذا التوجه العنصري المكشوف, هل يبقى مكان للسلام في التفكير السياسي الاسرائيلي إذا كانت العنصرية هي التي توجه هذا التفكير وتتحكم باتجاهاته, وإذا كانت أكذوبة الأمن الاسرائيلي واضطهاد اليهود في العالم هي الستار الذي يتلطى وراءه عنصريو العصر في اسرائىل..?
لعل الرسالة التي وجهها جاك أتالي المستشار اليهودي للرئىس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران, إلى شارون رداً على دعوته يهود فرنسا للهجرة تجيب عن هذا السؤال إذ قال فيها مخاطباً شارون( إن دعوتك كشفت عن مضمون استراتيجيتك القائمة على تدمير كل أمل مهما كان ضئيلاً للتوصل الى تسوية في المنطقة ونزع المصداقية عن المعتدلين اليهود وتسويغ التطرف).
ترى ألا تستدعي عنصرية فاضحة كهذه من الأميركيين المتعاطفين مع اسرائيل بوهم ديمقراطيتها إعادة النظر في موقفهم إذا كانوا ينشدون الحرية والديمقراطية للعالم..? ثم ألا تستوجب عنصرية تمارس بهذا الفجور موقفاً دولياً يبادر إلى مواجهتها صوناً لحقوق الانسان ومكافحة للتمييز العنصري وتعزيزاً لجهود السلام كالموقف الذي اتخذ من نظام الأبارتيدم وانتهى إلى إنجاز تاريخي بتطهير جنوب إفريقيا من وباء سياسة العزل والتمييز العنصرية..?