إطلاق هذه الأسئلة, يأتي قبل أيام من بدء فعاليات بعض المهرجانات في المحافظات.. وإذا كان لابد من توصيف بعض مظاهرها بالاتكاء على تجارب سابقة, فهي لا تشبه في تفاصيلها سوى الأنشطة الموسمية المعتادة والممثلة ب(الأوكازيون) الذي يقصد من خلاله الإعلان عن حسومات على بعض أصناف الألبسة وتخفيضات أخرى على سلع ومنتجات, غالباً ما تكون كاسدة ولم تلق رواجاً في موسمها الحقيقي.. نعم هذه هي بعض تفاصيل ما يسمى بالمهرجانات التي سبق وأن تباهت بها وزارة السياحة قبل عامين مع أنها لا تمت لحقيقة التسوّق السياحي بصلة. وللدلالة على مثل هذا الكلام, يمكن التذكير, أن وزارة السياحة أقامت قبل عامين مؤتمراً صحفياً وعدت من خلاله بتنظيم مهرجان غير مسبوق ومميز في مدينة دمشق.
غير أن المفاجأة التي أذهلت المراقبين, تبدت من خلال استطلاع ميداني نشرناه في هذه الصحيفة, وأشارت نتائجه, أن أحداً من سكان دمشق لم يسمع به, وأصحاب مكاتب السياحة والسفر والقائمين على المنشآت السياحية وأصحاب الفنادق الكبرى استهجنوا الفكرة من ألفها إلى يائها.
ما نقلناه, يعني وببساطة أن تجربتنا في تنظيم المهرجانات السياحية على وجه التحديد, بدت كما لو أنها عرجاء إن لم نقل (كسيحة) تماماً. في حين كان بمقدور وزارة السياحة الاستفادة من تجارب الكثير من البلدان العربية والأجنبية والظهور إلى ساحة المهرجانات بقوة قد تفوق مثيلاتها, انطلاقاً من الخصوصية الحضارية والكنوز الآثارية والمواقع السياحية التي من شأنها جذب السياح إلى بلدنا,.. ولعل الانطباع السائد أن السبب الجوهري الذي أدى إلى فشل المهرجانات, ليس لأنها شهدت قصوراً لجهة حملات الترويج الإعلاني والإعلامي -مثلما يعتقد البعض- وإنما بسبب اللبس بين حقيقة المهرجانات السياحية وبين الإعلان عن بيع السلع والمنتجات في ساحة عامة من ساحات هذه المدينة أو تلك.. فمهرجانات التسوق السياحي ليست على هذا النحو أبداً, وأنشطتها في كل دول العالم لا تنحصر في بيع وشراء السلع الكاسدة وغير الكاسدة ولا حتى في الإعلان عن حسومات مغرية, وإنما تشبه في تفاصيلها (الكرنفالات) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, فثمة فعاليات تبدأ من العروض الفنية والمسرحية على خشبات المسارح في الفنادق والحدائق والساحات العامة ولا تنتهي عند حدود قيام دور عرض السينما بتقديم آخر ما انتجته السينما العالمية, إلى جانب تنظيم مباريات رياضية ومسابقات ثقافية وفكرية وسواها من الأنشطة التراثية والفلكلورية التي من شأنها لفت أنظار السياح إلى تقاليد وعادات هذا البلد أو ذاك.
وما يزيد في نجاح هذه المهرجانات, أن القائمين عليها من تجار ورجال أعمال وكبار مستثمرين في القطاع الخاص, ..هؤلاء يتبارون فيما بينهم لتقديم حسومات فعلية وأكثر من مشجعة على أسعار المبيت في الفنادق وعلى تذاكر سفر الطائرات.. وكل منتج سجل حضوراً في المهرجان,.. وأما نحن, نعقد المؤتمرات الصحفية, ونتباهى ونبتسم أمام شاشات التلفزة.. كي نطعم أنفسنا لوزاً فارغاً.!