والتلوث الذي نعنيه في هذه الزاوية, لا يتمثل في الحديث الساخن والمحموم في وسائل الإعلام حول ما تسببه عوادم السيارات العاملة على المازوت من مخاطر حقيقية على صحة البشر, ولا الآثار السلبية الناجمة عن مياه الصرف الصناعي.. أو الآليات القاصرة في معالجة مكبات القمامة العشوائية في بعض المناطق المحيطة بمدن كبرى مثل دمشق وحلب.
التلوث الذي نحن بصدده هذه المرة لا يقل خطراً عن المظاهر السابقة, وهو يتمثل بما يحيط أسواق اللحوم في دمشق من فوضى لجهة غياب الإشراف والرقابة.
فالمستهلك العادي الذي يقصد هذه الأسواق, يلحظ ومن غير عناء, كيف أن أصحاب المحال التجارية والعربات, يقومون بعرض اللحوم مكشوفة, ولا يسترها سوى أسراب الذباب والحشرات التي تجد في هذه الأسواق تربة خصبة لتوالدها وتكاثرها.
ندرك سلفاً, أننا لم نضف جديداً في وصف تفاصيل حال هذه الأسواق, كما وندرك, أنها كانت وما زالت محط اهتمام المنابر الإعلامية,.. ولكن الجديد الذي نسعى إلى انعاشه, يأخذ صفة السؤال حول مصير القرار الذي أصدرته وزارة التموين قبل دمجها مع الاقتصاد, فالقرار الذي نعنيه ولقي ترحيباً من جانب المستهلكين, يقضي بضرورة حظر بيع لحوم الفروج النيىء أو أجزائه ونواتجه, دون حفظها وعرضها في واجهات مبردة أو ضمن ثلاجات, وحسب ما اعتقد, أن قرارا مماثلاً كان قد طال اللحوم الحمراء والبيضاء بأصنافها المختلفة.
وبعد مضي ما يزيد على العامين أو أكثر.. لماذا ولد هذا القرار ميتاً.. وماذا يعني رفض الاستجابة لقضايا تمس جوهر سلامة البشر?!
الإجابة الوحيدة التي يمكن الخروج بها, أن باعة اللحوم كانوا وفي أعقاب صدور القرار, قد أطلقوا صرخات الاحتجاج المدوية, انطلاقاً من ذريعة التكلفة المرتفعة لتلك الواجهات وتجهيزاتها الكهربائية, وعلى ما يبدو, أن هؤلاء وجدوا وبطرق ملتوية من ينتصر لصرخاتهم... غير أن الاستمرار في الدفاع عن الصحيح, يستدعي من وزارة الاقتصاد والتي دمجت مع التموين, السعي من أجل إنعاش هذا القرار ودب الروح في أوصاله, بل بمقدورها إذا كانت جادة في ترجمة هذا الاستحقاق, الاتكاء على بعض التشريعات والقوانين, بهدف فرض عقوبات مالية أو جزائية بحق المخالفين الذين باتوا يستسهلون إفراغ بعض القرارات من مضامينها, رغم أنها تصب في صالح سلامة المجتمع وليس بعض الأفراد.. ويكفي الإشارة إلى مفارقة أشبه بالأحجية وما هي بأحجية.., باعة اللحوم في بلدنا, أصابهم الذعر لمجرد مطالبتهم بواجهات مبردة تضمن سلامة المواد الغذائية, بينما هذا الاستحقاق بات من المنسيات في كثير من بلدان العالم, وفي بلدان عربية مجاورة وغير مجاورة, بات يتبارى التجار لتزويد محالهم التجارية بأجهزة تبريد تفتح أبوابها بتكنولوجيا (الليزر), وكل ذلك طواعية ودون الحاجة لقرار يصدر عن هذه الجهة أو تلك,.. ولعلَّ الاختلاف في كلا النمطين من السلوك, يشير وبكثير من الوضوح إلى قصور الوعي البيئي أولاً.. وقصور ثقافة التسويق الحديث ثانياً.. وقضايا أخرى يطول شرحها!