إنه قدرنا.. ويا له من قدر.. فبمقدار ما فيه من الأضواء.. بمقدار ما فيه من الظلال.. إنما ما نخشاه هو العتمة.. عتمة الفكر الذي لا يشرق.. والكلمة التي لا تتفتح شعرا.. والأوراق التي لا تحمل نورا في دراسة أو بحث أو مقالة.
وهذه مكتباتنا تغذينا بأعداد كتبها الغزيرة.. كم سرقت من أضواء عيوننا.. ورجفات أصابعنا.. وتدفق الدم في عروقنا.. وما مكتباتنا إلا ظل لما أنتجته عقول عربية.. وأقلام عربية.. وإبداعات عربية. فنحن في سورية قد استقطبنا على مدى عقود كثيرة من الإبداعات العربية تأليفا ونشرا وربما نقلا.. وكنا ولانزال الجذع الفتي القوي لشجرة الإبداع العربي.. قطفنا من البستان المصري حتى في منهاجنا المدرسي.. وتلاحمنا في نسيجنا مع الجوهر اللبناني.. حتى أصبحنا لا نفرق بين الإنتاجين.. أما الفلسطيني فما بقي صوت لدينا إلا وتناغم مع الصوت الفلسطيني ألما وحزنا أكثر من الفرح.. وإبداع المغاربة على بعد الشقة أزهر بين أيدينا شعرا ونثرا وذوبا مع كل ما هو عربي.
وما أذهلني.. مع رحلتي الاستثنائية في بحر مكتبتي الزاخرة التي فاضت بأضوائها وظلالها علي خلال عقود.. أقول ما أذهلني هو هذا التنوع الهائل في الإبداع والفكر العربيين تراثا ومعاصرة. إنها ثقافة واحدة.. أجل.. بل إبداع واحد وإن اختلفت طعومه وأشكاله وألوانه.. لا أكاد أفرق بين إنتاج ظهر في الجزائر.. وآخر في سورية أو المغرب أو الأردن, الخ... فهي لغة واحدة موحدة.. وهي أشجان وآمال جامعة وإن كانت مفردة.. وهي أضواء لبحر لنا هو البحر العربي.. وإن امتدت مياهه بين قارتين.. وإن كان بين مشرقين ومغربين.
رحلة معاناة.. وليست مجافاة.. تلك التي نعيشها بين حين وآخر في أضواء الكتب وظلالها.. فتمدنا بالثقة والعزيمة.. حتى نكون واثقين من ماضينا وحاضرنا.. وأن شمسنا لا تغيب.. وأن آمالنا لن تخيب.