أنطلق من هذا السؤال لعلمي التام أن هناك ضوابط علمية للحفريات مطبقة في الدول الصناعية, تجعل الناس لا يشعرون بها إطلاقاً لدرجة أنهم يفاجؤون بها بالصدفة أو من الفضوليين فقط.
والأمثلة كثيرة عن مآسي الحفريات في بلادنا.. فهل يعقل أن توسيع طريق بحدود المتر والنصف من الجانبين وبطول بضعة كيلو مترات فقط يستغرق نحو عامين في إحدى المناطق الريفية الخالية إطلاقاً من أي تعقيدات فنية.. وهل يعقل أن نفقاً في مدينة كبيرة تعاد دراسته بعد البدء بالتنفيذ ثلاث مرات? وهل يعقل أن يعاد تنفيذ نفس المشروع مرتين خلال عام واحد?ش
وإذا استثنينا التواطؤ بين الجهة صاحبة المشروع والمنفذة له ليصبح (أهلية بمحلية) فإن هناك نقطتين مفصليتين لابد من التوقف عندهما هما:
- عدم استخدام التقنيات الحديثة.
- ضعف الدراسات الفنية.
وفي النقطة الأولى يحضرني هنا مثال عن طريقة (الخلد) التي يجري فيها حفر أفقي تحت التربة لمسافات كبيرة دون حاجة لقطع الطريق بطريقتين إحداهما (الإزاحة) التي لا يوجد لها نواتج والثانية (الدق) التي لا تحدث أي تشوه في التربة وهذه التقنية مطبقة في أغلب الدول وعلى أساسها اتخذت بلدية دبي وغيرها قراراً منعت بموجبه قطع الشوارع.
وبمثل هذه التقنية يمكن تنفيذ جميع خدمات الهاتف والكهرباء والمياه والصرف الصحي واستبدال الأنابيب المهترئة بأنابيب حديثة وبنتائج مضمونة حيث يسبق العمل استخدام أجهزة أخرى للكشف على مواقع الخدمات, ونواتج الحفريات ستكون صفراً ودون أن تشكل أي ضجيج.
ونشير هنا إلى أن بعض الجهات صاحبة المشروع لا تكترث بالأساليب الحديثة بدليل أنها تستخدم الشروط الفنية التي يعود تاريخ بعضها إلى عام 1968 ولا تستغربوا ذلك أبداً.
وأما الشق الثاني وهذا هو الأخطر فيتمثل بضعف الدراسات الفنية.. كأن تكون ناقصة أو مجتزأة أو لا تشخص الواقع بدقة, وعندما تظهر المشكلات في التنفيذ يحتاج الأمر إلى دراسة ثانية, وهكذا دواليك لتصبح المسألة وكأنها ترقيع بترقيع.. والحلول هنا قد تكون إسعافية لا دائمة بهدف التخلص من المشروع وتسليمه بوقت أسرع وعدم إضافة أموال جديدة.
وهنا لابد من الاهتمام بمسألة تأهيل مهندس الدراسات مهما كان يحمل من مؤهلات تخصصية عليا, إذ يفترض أن يكون مهندساً تنفيذياً قبل كل شيء ليتأهل كمهندس دراسات ميداني لا من وراء المكاتب, ولدينا خبرات كبيرة لا بد من الاستفادة من تجاربها بدلاً من تهميشها.. أليس كذلك.