قد كشفت للجميع عن حجم التضليل الذي مارسته إدارة الرئيس جورج بوش بحق شعوب العالم, فإن تقرير تشارلز دويلفر رئيس المفتشين الأميركيين عن أسلحة العراق المزعومة, وضع دون شك نهاية لكذبة الحرب, وذلك بتأكيده أن العراق لم يكن يمتلك أي أسلحة محظورة, ولم يكن لديه أي خطط لتطوير برامج نووية مزعومة.
ولعل تقرير الاستخبارات الأميركية الأخير - الذي تزامن نشره مع تقديم دويلفر تقريره إلى الكونغرس الأميركي - حول عدم وجود أي صلة بين النظام العراقي السابق وبين تنظيم القاعدة أو مع الجماعات الإرهابية الدولية, يضيف اعترافاً أميركياً آخر, ويقدم دليلاً إضافياً - للأميركيين وغير الأميركيين - ممن أيدوا الرئيس بوش لسحب ثقتهم به والتراجع عن تأييدهم له.
الكشف عن هذه الأخطاء (التلفيقات) التي حاول مروجوها في واشنطن تزوير الحقيقة والوقائع وخداع العالم, لم يكن نتيجة يمكن أن تحقق عنصر المفاجئة لدى الكثيرين في العالم, ولاسيما في منطقتنا, وربما يعود ذلك لسببين جوهريين, أولهما, إن الإدارة الأميركية لا تتمتع بأي مصداقية لدى شعوب المنطقة ولاسيما العرب والمسلمين لاعتبارات وخبرات واقعية ملموسة جسدتها التجربة خلال السنوات الماضية.
وثانيهما, إن واشنطن عموماً, وهذه الإدارة خصوصاً, كانت مكشوفة الأهداف من قبل الجميع على نحو غير مسبوق, وقد عبرت سريعاً عن عدائها للعرب ولقضاياهم, وعن توحدها مع إسرائيل في الموقف والسياسة كما في الجريمة وحماية مرتكبها, يضاف إلى ذلك أنها عمدت إلى الاستخفاف بعقول الناس بفنيات ضعيفة وتقنيات بدائية وبدع وألاعيب خفة معروفة لا خفة فيها ولا إبداع, فأتت غير مقنعة بالمطلق.
كذا.. فالسؤال الذي يطرح: إذا كنا قد اكتشفنا كذبة الحرب وتلفيقاتها منذ البداية لكننا عجزنا عن إقناع الآخرين بذلك لأسباب موضوعية, فهل الشعب الأميركي والغرب هو من السذاجة إلى الحد الذي يحتاج فيه لأكثر من عام ليكتشف ما اكتشفناه وهو في حالة من الذهول?!
وإذا كان كذلك ألا يحق له إنسانياً وقانونياً محاسبة إداراته وحكوماته, أولاً على الاستخفاف به والتلاعب بالثقة التي منحها إياها, وعلى الآلاف من القتلى والجرحى الذين سقطوا من أبنائه في العراق ثانياً, وعلى المليارات من أمواله التي جرى تبديدها وإنفاقها على حرب ظالمة قامت على أسس باطلة ثالثاً, وعلى القتل والخراب والدمار الذي ألحقته ببلد وشعب آمن رابعاً, وعلى تأجيج مشاعر الكراهية والحقد التي بات العالم يكنها لأميركا بسبب الحرب أخيراً?!
تقرير دويلفر, صحيح أنه وضع نهاية لكذبة الحرب والعدوان الظالم, لكن ما ينبغي أن يكون, هو ألا يكتفي الشعب الأميركي بجعل إدارته تدفع أثماناً تبقى في حدود الانتخابات الرئاسية القادمة, بل أن يلاحقها قضائياً, لأن حجم الضرر الذي تسببت به لأميركا والعراق والأمم المتحدة والعلاقات الدولية والنظام العالمي لا يقدر ولا مثيل له, ولأن الأثر الذي سيتركه قد يحتاج تجاوزه لعقود طويلة.
تقرير دويلفر يتكون من ألف صفحة, ومن القطع الكبير والعيار الثقيل لكن هل يكون القشة التي...?!