والمغترب هو ذاك الإنسان الذي يكابد الحياة بانشطار قلبه لأنه يبقى البعيد عن وطنه, والذي يعيش بين قوم غير قومه, فهو الغريب دائماً, وكأن نصف قلبه في مكان, والنصف الآخر مشدود نحو آفاق الوطن..
المغترب.. والغريب.. وبلاد الاغتراب.. ليست مجرد مصطلحات تطلق هكذا عبثاً, حتى وإن تعوّد الإنسان المغترب على البلاد التي استوطن فيها واستقر, بل هي مصطلحات تلوذ بأدق معانيها في الأعماق, ويعيشها صاحبها مهما كانت وسائل الترفيه والنسيان ومهما كانت المصالح, ومهما علت المسؤوليات.
لا يمكن للشعب السوري أن ينسى زيارة أحد أبنائه المغتربين يوماً إلى سورية, كان اسمه كارلوس منعم وكان رئيساً لجمهورية الأرجنتين.
زيارته الرسمية وما أحيط بها من إجراءات بروتوكولية, لم تسعفه بأن يكبح جماح نزوعه لزيارة مدينة صغيرة في ريف دمشق, اسمها (يبرود) لقد كاد أن ينسى بأنه رئيس دولة كبيرة عدد سكانها نحو أربعين مليون نسمة, وعاد قلبه كقلب طفل يغرد في سماء يبرود.
كارلوس منعم.. هو ابن هذه المدينة, ابن يبرود البلدة الوادعة التي أبصر فيها النور على هذه الحياة, واحتضنت ولادته وطفولته, ومنها تنفس أحلامه وطموحاته, وهاجر إلى الأرجنتين, ليصير رئيساً, ووقتما عاد إلى أحضان وطنه لم يستطع إلا أن يترك مشاعره تتدفق تلقائياً , ويترك كل شيء ليمشي في زواريب يبرود..
إنه الحنين.. حنين المغتربين إلى أوطانهم. إلى أصولهم وجذورهم.. هكذا هم.. وهكذا هو ناموس الحياة.. فما أن يجدوا فرصة حتى يروا أنفسهم متحفزين لملاقاة الوطن.. غير عابئين بشيء آخر.. والأمر لا يقتصر - بمقتضى الحال- على ابن سورية (كارلوس منعم) إنه ينسحب على جميع الذين انشطرت قلوبهم, واغتربوا.
وما هذا المؤتمر الذي يشارك فيه أحباؤنا المغتربون إلا دليل على ذلك.. فليس عبثاً أن جاؤوا إلى أرض الوطن.
فكأنهم يجسّون نبض الحنين.. ونسغ الجذور.. التي لا بد وأنها انتعشت بقدومهم الرائع..
ولكن الأروع من ذلك أن نتمكن من محاكاة حنينهم, ونزكي عندهم هذه الروح, ليزدادوا بوطنهم الذي أحبهم ارتباطاً ومودة.