ولم يستند تحذير فعنونو على معطياته العلمية الدقيقة والأكيدة حول حالة المفاعل الرديئة وعمره الذي تجاوز نصف قرن فقط, بل استند إلى فرضيات حدوث هزات أرضية في المنطقة تؤدي إلى تصدع المفاعل وتسرب الإشعاعات النووية التي ستهدد ملايين العرب في فلسطين والدول العربية المجاورة, إلى جانب الإسرائيليين أنفسهم.
إذا لنتصور حجم الكارثة التي ستخيم على منطقتنا فيما (إذا زلزلت الأرض زلزالها) في تلك البقعة من فلسطين المحتلة الواقعة على خط الزلازل (تاريخياً) والقريبة من البحر الميت الذي يشهد بين الفينة والأخرى هزات عديدة تعلن عنها إسرائيل ذاتها باستمرار!!
ومثل هذا التصور الكارثي ليس مصدره وحي الخيال ولا الرجم بالغيب بل هو حقيقة علمية قد تحدث في أية لحظة, وتؤكدها الحقائق على أرض الواقع, وقد انتبه إليها الكثير من الخبراء قبل فعنونو وبعده, ألم يسارع البحاثة وخبراء البيئة -بعد أن ضربت الزلازل منطقة كوبي اليابانية عام 1995- إلى تنبيه العالم بفرضية لم يعد بالإمكان تجاهلها, وهي أن بعض محطات توليد الطاقة النووية في العالم بنيت فوق خطوط الزلازل التي حددها الاختصاصيون الجيولوجيون وأن هزة أرضية عادية ستجعل شعوباً بكاملها تقف على كف عفريت?!
لا بل إن الكارثة في مفاعلات إسرائيل النووية أنها لا توجد في بقعة جغرافية قريبة من أماكن قابلة للتعرض للهزات الأرضية فحسب, بل إضافة لذلك تفتقد إلى ضمانات الوقاية والحماية, ولا سيما في مفاعل ديمونا الذي أكل الدهر عليه وشرب.
إن الحقيقة التي يمكن لنا البوح بها هي أن الخبراء ما كانوا ليوجهوا تحذيراتهم إلى الكيان الإسرائيلي وسياسته العدوانية المصرِّة على امتلاك كل أنواع الأسلحة النووية والجرثومية لو لم تكن تلك السياسة العمياء تحمل في طياتها رهانات مخيفة على مستقبل المنطقة والعالم.
كما أن هذه الحقيقة تقودنا إلى طرح تساؤل مشروع ويحمل في طياته مفارقة مريرة وهو: لماذا تصّر الولايات المتحدة الأميركية على التستر على ترسانة إسرائيل النووية, وعلى رفض هذه الأخيرة التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية, في الوقت الذي تقيم فيه الدنيا ولا تقعدها وتجيِّش العالم ضد بلدان أخرى لتجبرها على نزع ليس أسلحة الدمار الشامل بل وسائل إطلاقها أي (الصواريخ), التي لا تدخل من قريب أو بعيد في منظومة الأسلحة المحرمة بالعرف العالمي?!