اجراءات لاتشوبها شائبة امام المعايير التي تخترعها الجهات الرقابية والرغبات المنسجمة مع آراء الجهات الوصائية. وعلى الرغم من اعطاء الانظمة والقوانين في جوانب منها صلاحيات واسعة للمديرين العامين في القطاع العام فإن هناك جوانب اخرى من الانظمة والقوانين وجوانب غيرها من الاعراف والتقاليد الادارية المتبعة سرعان ما تقوض هذه الصلاحيات وتفرغها من معناها وتضع المديرين في دوائر هي ابعد ما يمكن ان تكون عن دائرة الادارة الصحيحة كدوائر الخوف والتردد وعدم المبادرة والتنصل من المسؤولية .. وما الى ذلك.
فالمرسوم 20 لعام 1994 مثلاً.. يقول في المادة 14:
(يتمتع المدير العام للمؤسسة العامة -في حدود القوانين والانظمة النافذة- باوسع الصلاحيات في ادارة شؤون المؤسسة العامة ويكون مسؤولاً امام الوزير بالذات عن حسن سير العمل فيها).
والمادة 25 مشابهة لها في تمتيع مدير عام الشركة العامة باوسع الصلاحيات ..!
كما اشار هذا المرسوم في الفقرة ب من المادة الثانية الى ان المؤسسة والشركة العامة تعتبر تاجرا في علاقتها مع الغير وتمارس جميع النشاطات المترتبة على ذلك..!
ولكن واقعيا .. هل هناك مؤسسة عامة او شركة عامة يستطيع مديرها العام ان يمارس الصلاحيات الواسعة في ادارة شؤون مؤسسته او شركته..?
بالامس احد المديرين العامين (والهامين) في هذا البلد قال لي : هناك قرارات لا استطيع ان اتخذها الا بعد استشارة 18 جهة ..!!
وهل هناك مدير عام قادر على التصّرف في مؤسسته وانتاجها وطريقة تسويقها مثلما يتصرف التاجر..?!
لقد اكدت الحقائق والوقائع بأن الصلاحيات الممنوحة وحرية التصرف كالتاجر ليست اكثر من حبر على ورق فهي صلاحيات وحريات موجودة.. ولكن.. مع وقف التنفيذ.. وقد مر القطاع العام بحالات وحوادث كثيرة تؤكد ذلك بوضوح ولسنا الآن بصدد تعدادها ولكن نشير الى آخر ثمار هذه الحالات المتمثلة بقرار السيد رئيس مجلس الوزراء السماح للقطاع الخاص باستيراد مادة الاسمنت.
ان هذا القرار سوف يشكل -على الأغلب- حلاً اقتصادياً صحيحاً لمشكلة الاسمنت وازمته الخافقة لأنه بهذه الحالة من المفترض ان يتوفر تلقائياً -كما حصل لسلع كثيرة حاقت بها الأزمات في السوق السورية- ويكون خاضعاً لآلية السوق في المنافسة التي قد تجعل من سعره معتدلاً ومعقولاً.
ولكن.. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القرار يحمل في طياته معاني جديرة بالحزن وبالاحباط تجاه قطاعنا العام لأنه -أي قرار- يعطينا برهاناً اكيداً عن مدى العجز الذي وصلت اليه اداراتنا العامة او الذي اجبرت على الوصول اليه وعند عدم قدرتها على اتخاذ القرار وانه لا يتاح لها بأن تكون تاجراً فعلاً..!!
فلو أن المدير العام لمؤسسة الاسمنت والمديرين العامين لشركات الاسمنت وكذلك لو ان المديرالعام لمؤسسة التجارة الخارجية والمدير العام لمؤسسة العمران قادرون على التصرف كتجار بكل معنى الكلمة في علاقاتهم مع الغير ولو انهم يتمتعون فعلاً بأوسع الصلاحيات في اداراتهم لكان بإمكانهم -وببساطة- تحقيق انتصار على هذه الأزمة.
ولكن.. كيف رفع الطاقة الانتاجية في شركات الاسمنت سوف يحتاج الى دورة روتينية مُملة للموافقات على استيراد خطوط وللاعلان عن المناقصات التي قد تفشل وقد تنجح ومن ثم دراستها وتصديق العقود وفتح الاعتمادات.. وما إلى ذلك.. وهذا كله على الرغم من ان الشركات العالمية الكبرى الصانعة لمصانع الاسمنت معروفة جيداً ويمكن الاتصال معها مباشرة من قبل خبرائنا ومديرينا وعقد الاتفاقات السريعة.
ولكن.. لا .. فهذا غير ممكن ابداً فلابد من مناقصة وقد تفوز أسوأ شركات العالم. وفوق هذا كله.. لابد من تدخلات وصائية تربك -احياناً كثيرة- اعتى المؤسسات وتجعلها غير قادرة على التصرف.
تُرى.. لو ترك المجال لمؤسساتنا العامة المعنية كي تحل هذه الأزمة بالشكل المناسب مثلما سوف يحلها القطاع الخاص أفلن تكون قادرة على ذلك..?! .. نعم سوف تكون قادرة.. وعندها ستكون تاجراً فعلاً.
شيء غريب كيف ترغب الدولة بتقييد حالها وتفكيك عقد الآخرين?!
لماذا لا تحاول تفكيك عقدها وعقد الآخرين أيضاً..?!