وبعد أكثر من عام ونصف على اندلاع هذه الحرب وما حملته من تطورات عاصفة ونتائج مأساوية للعراق ودول المنطقة ومعها قوى الغزو, انعكست سلبا على الاستقرار الإقليمي والدولي, أعاد الرئيس الأسد للأذهان ما كان قد حذَّر منه, والذي لو تم الأخذ به لما كانت أميركا وبريطانيا في تضاعيف المأزق العراقي الصعب الذي لاتعرفان طريقاً للخروج منه بسبب سياسة المكابرة والمعاندة التي تسيطر على مواقفهما,ولما كانت المنطقة والعالم قد بلغتا عمق المجهول نتيجة للحرب الخاطئة في الزمان والمكان الخاطئىن.
وعلى سبيل التذكير بتحذيره الشهير من مغبة الحرب والاندفاع إليها ونتائجها الكارثية المحتملة قبل وقوعها, قال الرئيس الأسد في كلمته الشاملة أمام مؤتمر المغتربين السوريين أول أمس ( رأينا في حينها أن التحضير لشن الحرب على العراق هو دخول المنطقة والعالم في المجهول , وأتت أحداث العراق المتلاحقة وما تخلفه من قتل ودمار لتوضح حجم المأزق والجهل بكيفية الخروج منه, وتثبت صحة وجهة نظرنا, ولتؤكد الوصول إلى عمق المجهول).
لقد برهن تطور الأحداث الدموية إبان الحرب وبعدها على صوابية هذه الرؤية المعمقة لتداعيات الحرب في حال وقوعها,ولم يعد بإمكان من أغوتهم الحرب وأخذتهم أوهام القوة بعيداً عن جادة التفكير الصائب, الادعاء بأن مافعلوه كان في مصلحة المنطقة أو حتى في مصلحتهم ومصلحة العالم على نحو ما ظلوا يروجون كذباً له طوال فترة الحرب, خصوصا بعد اعترافاتهم الواضحة في واشنطن ولندن وسيدني بأن قرارهم في الحرب بني على معلومات استخباراتية خاطئة ومغلوطة.
لقد اعتقد تيار الحرب في مرحلة التحضير والإعداد لها, أن النصر فيها مسألة محسومة بحكم التفوق النوعي الذي يمتلكه, وهذا صحيح لو أن الحرب اقتصرت في حينها على شكلها النظامي المعروف (حرب جيوش نظامية) لكن الخطأ الاستراتيجي الكبير في الحرب على العراق, إنما كان في استحالة ضبط تطوراتها اللاحقة, وفي جهل قوى الغزو بطبيعة الشعب العراقي,واستخفافها بمشاعر العرب وشعوب المنطقة تجاه حرب يراد بها إعادة المنطقة إلى عهود الاستعمار البائدة من البوابة العراقية هذه المرة تحت شعارات وذرائع كاذبة من مثل ( تحرير العراق ونشر الديمقراطية فيه وفي المنطقة).
ثبت هذا الخطأ الاستراتيجي فيما بعد من خلال دخول الحرب مرحلة الصراع الدامي بين المقاومة العراقية وقد تشكلت من مختلف أطياف الشعب العراقي وبين قوى الغزو على اختلاف جنسياتها, لينفتح الوضع على المجهول وتدخل المنطقة والعالم معاً في عمق المجهول لجملة اعتبارات موضوعية أهمها:
1- دخول قوى الغزو وبخاصة الأميركية منها في ما يشبه الحرب الفيتنامية أمام خسائر أميركا المذهلة التي بلغت في ثلاثة أشهر بعد الحرب مايعادل خسائرها في السنوات الثلاث الأولى من حربها في فيتنام.
2-انكشاف الحرب في ظل تطوراتها العاصفة والمدمرة نتيجة للصراع الدموي الذي بات يشكل طابعها المميز, عن أنها حرب بلا نهاية كما وصفها المرشح الديمقراطي جون كيري في سباق سجاله مع الرئيس بوش لحسم التنافس على منصب الرئاسة في مصلحته, وهو وصف لا يشوبه الشك في ضوء عجز قوى الغزو عن كسر إرادة المقاومة العراقية وتواصل الحرب بعيدا عن شكلها الكلاسيكي.
3-استغلال إسرائيل لظروف الحرب ونتائجها في زيادة توتير أوضاع المنطقة ودفعها لأشد الاحتمالات كارثية من خلال تصعيد عدوانها على الشعب الفلسطيني وإطلاق تهديداتها الاستفزازية ضد دول المنطقة,ومحاولة تغلغلها في العراق.
ومع كل هذا, فإن الرئيس الأسد برؤيته الصائبة يحدد الطريق الواضح للخروج من عمق المجهول والمأزق الصعب الذي وضعت قوى الحرب نفسها فيه بتحقيق مسألتين اثنتين لا ثالث لهما وهما ( إقرار دستور يعبر عن إرادة الشعب العراقي وانسحاب القوات الأجنبية من أراضيه),هي رؤية موضوعية للحرب وتداعياتها الخطيرة, لعل الآخرين يفيدون منها إنقاذاً للمنطقة والعالم من نتائج أوضاعٍ أقل ما يقال فيها- كما أوضح الرئيس الأسد -أنها كارثية.