مع خفوت أصوات المعارضة وشكليتها وانحياز ضفتي الشارع الإسرائيلي إلى منطق العصابات فيه, لم أعد أجد بين الفلسطينيين الذين التقيهم من يؤمن باختلاف جذري بين الإسرائيليين, بل هي درجات لونية لطيف واحد.
كادت الصورة أن تحتل المشهد, لولا كتابات عربية متحمسة لفيلم (الجدار) وفيه تدين المخرجة الإسرائيلية سيمون بيتون جدار الفصل العنصري وتنتصر لقضية الشعب الفلسطيني.. ذلك دوماً حسب المقالات الآنفة الذكر..
وكان هناك عرض للفيلم على هامش مهرجان قرطاج السينمائي, فإذا الفيلم يدين بالفعل الجدار, لكنه لا ينتصر للفلسطينيين أو لقضيتهم, بل هو أشبه بمشيمة إنسانية, لم يلبث الوليد الاستعماري أن مزقها وخرج منها مارد يسحق كل ما يقف بوجهه.. فللتعبير عن لا شرعية الجدار, تلتقي المخرجة ثلاثة مستوطنين يجمعهم خطاب عقلاني مسالم يتحسر على فرصة التعايش المفوتة مع الجيران الفلسطينيين بسبب من هذا الجدار.. دون أن تستوقف المخرجة أو مؤيدي الفيلم أن المستوطنات حالة استعمارية غير قانونية على أرض محتلة ولا يهم بالتالي أن يدعي المحتل الاعتراف بحق العيش لخادم اغتال مستقبله وحتى حاضره.
أما المأساة الفلسطينية فقزمها الفيلم ببضعة عمال لم يكن للجدار أن ينجز قبل خمسين عاما لولا اضطرارهم بسبب لقمة الأكل لبنائه أو ببضعة مترفين اختل النسق الهادىء لحيواتهم بعد أن أطلت منازلهم على ممرات عبور مخالفة احتيالا على واقع فرضه الجدار.
حقا لقد اعترف الفيلم بواحد على عشرة من حق الشعب الفلسطيني, لكنه بالمقابل التهم تسعة أعشار.. فما بالنا نتصاغر حتى بتنا نفرح إن رآنا الآخر عند أقدامه ورمى لنا بفتاته.
هذه سيمون بيتون المخرجة الإسرائيلية اليسارية التي تتقدمها لافتة التعاطف مع الشعب الفلسطيني.. إذن فكيف هو حال من يقفون على يمينها أو خلفها.. فهل نستغرب من بعد أن يكتشف فلسطينيو الداخل بعد التجربة وهم المعايشة.