اللافت في الأمر أن تلك التقارير تتجنب توجيه ذلك مباشرة إلى الإدارة الأميركية إلا في حدود ضيقة, تحت ذرائع شتى, وإن كانت هذه الإدارة عمليا لاتستثني نفسها من الانتقادات, باعتبارها موجهة لجزء من آلية عملها.
ولكن كل ذلك لم يغير في محتوى الخطاب الأميركي, حيث لايخفى على أحد أن إدارة الرئيس بوش وجدت ضالتها في استقالة جورج تينت لتضع كل أخطائها في سلة الاستخبارات الأميركية التي لم توصل المعلومات الدقيقة حينا, وتجاهلت إيصال بعضها أو تعمدت حينا آخر.
ومع اشتعال حمى السباق في الانتخابات الأميركية ثمة ما يشير إلى إدراج تلك التقارير في إطار ذلك السباق, دون أن يشكل ذلك أدنى إحراج للمؤسسة الأميركية عموما, بل على العكس هناك من يدرجها في سياق التدليل على عراقة تلك المؤسسة.
والسؤال الحقيقي المطروح, ماهي الحصيلة الفعلية التي يمكن أن يجنيها الأميركيون من كل ذلك الإدراج سواء كان لتأكيد العراقة أم للتشكيك بها?
هذا السؤال يطرح في إطار عشرات الأسئلة التي تتردد على ألسنة الأميركيين سواء التي طرحوها عشية أحداث الحادي عشر من أيلول, أم تلك التي تطرح اليوم وسط تكاثر عدد التقارير المنتقدة لدور الاستخبارات.
ربما كانت التضحية بالاستخبارات ومصداقيتها وهيبتها مقبولة لدى أغلبهم لو أن ذلك يكفي لتدارك مخاطر وتحديات تتتالى تباعا, أو لو كانت تلك التضحية تعفي الأميركيين من تبعات السياسة التي تنتهجها إداراتهم.
فقد أضحى أغلب الأميركيين يتلمسون تلك التبعات, ويحصدون النتيجة في كل أنحاء العالم, وما كانوا يعتقدون به من مثالية سياسية يتلاشى إلى حد أن السؤال الذي طرحوه مرارا وتكرارا يجد بعضا من إجابته في تفاصيل الموقف الذي تتخذه أغلب شعوب العالم من السياسة الأميركية.
ولعل التفرد الأميركي في معارضة الإجماع الدولي, وخصوصا في منابر المنظمات الدولية يشكل أحد الأمثلة الصارخة على الاتجاه الأميركي الذي أضحى بكل معطياته جزءا من حالة الارتباك التي تواجهها السياسة الأميركية.
ويأتي الدفاع الأميركي عن ذلك التفرد ليزيد الطين بلة, حيث كان آخرها معارضة واشنطن منفردة لقرار محكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري, وتوضيح الناطق باسم البيت الأبيض الذي كان من الأفضل له عدم الدفاع عن قرار واشنطن.
وفق هذه المعطيات ثمة سؤال حقيقي هل كانت هذه التقارير جميعها للاستهلاك الداخلي كما يطرح البعض, أم أنها لاتخلو من رسائل مرمزة حينا وواضحة حينا آخر للعالم?
قد يكون من الصعب الجزم بأرجحية جانب على آخر, ولكن ليس من الصعب أبدا قراءة سخونة المشهد الأميركي بغض النظر عن دلالته الآنية بخصوص سباق الانتخابات الأميركية, لأن أسئلة كثيرة لاتزال دون إجابة وعلى ما يبدو ستبقى كذلك!