وعشية اعتزام المحكمة الدولية إصدار قرارها في القضية نفسها , مارست اسرائيل ذات الموقف وأعلن سيلفان شالوم التمرد على المحكمة وأي قرار تتخذه بخصوص الجدار .
فالطعن في شرعية الجدار على هذا النحو القانوني والانساني , من شأنه أن يرتب تداعيات خطيرة على وضع اسرائيل الدولي وطبيعة سياستها , إذ ستتهم حينها بأنها كيان عنصري لأنها تمارس أبشع أشكال السياسات العنصرية ممثلة بسياسات الفصل , وسيستذكر المجتمع الدولي استناداً كذلك سياسات الفصل التي مارسها نظام الأقلية البيضاء في جنوب افريقيا بحق السكان الأصليين للبلاد عبر الإغلاق والتضييق عليهم بمعازل عنصرية , ومن ثم لجوء المجتمع الدولي إلى فرض سياسة الحصار الدولي على هذا النظام دبلوماسياً وسياسياً وقطع كل أشكال التواصل والعلاقات معه لإجباره على التخلي عن هذه السياسة تطبيقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومبادىء الشرعية الدولية لحقوق الانسان التي تحظر ممارسة التمييز العنصري وسياسات الفصل والعزل بكل أشكالها .
إسرائيل تخشى من أن يسقط الغطاء السياسي الكاذب على قضية جدار الفصل , فينكشف البرقع الأمني عنها لتتعرى على حقيقتها كقضية حقوقية قانونية وانسانية تحمل في بناء الجدار أكبر الآلام لشعب فلسطين من خلال تقطيع أوصاله والحجر على تجمعاته وتجزئة الوحدة الجغرافية لأراضيه , وقتل أي أمل له في استرداد حقوقه المغتصبة .
لقد شكلت اسرائيل منذ إقامتها في العام 1948 وحتى اللحظة الراهنة حالة شاذة في تمردها على الارادة الدولية ومصادر شرعيتها وصلاحياتها وحقها في تطبيق القانون الدولي وتحديها لمحكمة لاهاي اليوم يشكل امتدادا فاضحا لهذه الحالة يستوجب من المجتمع الدولي , وخصوصا من الادارة الاميركية التي تكثر من الحديث عن معاقبة ومحاكمة الدول الخارجة عن القانون , أن يضع حداً لهذه الحالة باتخاذ التدابير الكفيلة لردعها واستئصالها من صلب الحياة الدولية لما لها من أثر خطير على تقويض مصداقية المجتمع الدولي عموماً , والمصداقية الأميركية على وجه الخصوص .
فالأحرى بمن يتهم الآخرين بالخروج على القانون ويطالب بمحاكمتهم ومعاقبتهم لمجرد انهم يخرجون على قانونه الخاص لا على القانون الدولي , أن يكون صادقا بطروحاته ويحاسب الحالة الماثلة بخروجها على القانون الدولي ( اسرائيل) والمتمردة على إرادته , لا أن يغطي عليها ويدعمها وينحاز إليها , فهل تفعل أميركا ذلك لتتحلل من أسر ازدواجيتها الفاضحة , وتستعيد مصداقية سياستها المفقودة ..?