وتأكيدات رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس شيراك: أن هناك إجماعاً دولياً على ضرورة تحقيق السلام, ووجوب أن يكون عادلاً وشاملاً للمسارات كافة مع الإقرار بالمصاعب التي تحول دون تحقيقه, وما تعكس من عودة للاهتمام بشؤون المنطقة, فإنها وفي ضوء التجارب السابقة وما هو حاصل اليوم على الأرض سواء في فلسطين أم العراق, لا تبدو واعدة ومدعاة للتفاؤل وأكثر من كونها نوعاً من التخدير والكلام المكرر التصدير للعرب دون غيرهم, ذاك الذي يتقصد الإلهاء ولا يعكس تغييراً في الأداء يمكن أن يوظف عملاتياً في مصلحة إرساء دعائم السلام والأمن والاستقرار.
وعكس ما رمت إليه كل التصريحات والوعود التي أغدقت من قبل على المنطقة, وبدلاً من تلمس العائدية ذات المردود الإيجابي على مشكلاتها ومعاناتها, الناجمة عن الاحتلال الصهيوني المستمر لفلسطين وأجزاء من الأراضي العربية, وجد العالم نفسه إزاء تصعيد متعمد وتعميق للأزمة, ودفع متواصل للأوضاع في اتجاه التفجير الشامل ونقطة اللاعودة, من جانب إسرائيل المستقوية بدعم الحليف الأميركي, يمكن القول معه إن هذا النوع من الدبلوماسية الهادئة والمهادنة, إن لم نسمها بالمتواطئة والمتحيزة, قد قدم بحسن أو سوء نية خدمة كبرى للاحتلال وأسهم في مد عمر الأزمة وإطالة أمد الصراع واستفحاله على النحو الدموي الجاري, وأعطى لحكام تل أبيب الهامش الواسع والمفتوح للمناورة والهروب وقتل الوقت والإجهاز على العملية السياسية التي انطلقت في مؤتمر مدريد خريف العام .1991
هذا كله مقابل تكبيل يد العرب وشلهم وتقييد حركتهم بشعارات, اتضح أن تحقيقها أكثر من مستحيل في ظل اشتداد وضراوة الهجمة العدوانية الإسرائيلية, الآخذة بخيار القوة والتصعيد والتحدي والرفض لاستحقاقات التسوية وفق ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية وبمبدأ الإلغاء للآخر, وإبقائهم في دائرة المتلقي للشروط والضربات الصهيونية ومشاريع التسويات البديلة والمفروضة, باعتبارهم الجهة المعنية بالاختبار والمطالبة دوما بإظهار حسن النوايا وتقديم البراهين والتنازلات المؤلمة التي لا تنتهي على حساب الأرض والحق والكرامة والوجود, كتوكيد على الرغبة الصادقة في السلام دون أن يرتب ذلك التزاما من أي نوع على الجانب الإسرائيلي يمكن البناء عليه لقيام السلام وإرساء معادلته.
ومع التقدير للتفهم الذي تبديه الأوساط الدولية إزاء مشكلات المنطقة, وللمساعي والجهود التي تبذل لإحياء عملية السلام على جميع المسارات والمؤمل ألا تكون ظرفية, فإن المهمة الأكثر إلحاحا أمام العالم الآن الانتقال من طور الكلام والتنظير واطلاق المواقف إلى الترجمة والفعل والرمي بكل الثقل في اتجاه الإنقاذ, وإقالة الوضع الحالي من التعثر والتدهور وكسر حالة العناد, وإقناع الإسرائيليين وباللغة التي يفهمون على أنهم وخلافا لمنطق العقل والتاريخ والشرعية الدولية, يسيرون في الاتجاه الخاطىء والمدمر الذي يتوجب عليهم دفع أكلافه وتحمل تبعاته.
وليس هناك من شك في أن لأوروبا دورا حيويا ومؤثرا في هذا المجال, لا يقل أهمية عن الدور الأمريكي إن لم يكن موازيا ومكملا له ومساعدا على إنجاح العملية السياسية والوصول بها إلى غايتها, إذا ما صدقت النوايا وأريد لهذه المنطقة أن تنعم فعلا بالهدوء والأمن والسلام, ويتم وقف النزف الحاصل وطي الحقبة السوداء والطويلة التي عاشتها ولا تزال, بفعل مظالم الاحتلال والتدخلات والأطماع الخارجية وزرع إسرائيل كيانا عنصريا استيطانيا توسعيا في قلبها, والطريق إلى ذلك معروفة وأقصر بكثير مما يتصورها البعض.