والإرهابي آرئيل شارون لم يخرج عن مألوف هذه السياسة عندما طلب مؤخراً من الفلسطينيين وقف ما أسماه بالتحريض ضد إسرائيل في وسائل الإعلام ومناهج التدريس كشرط للعودة إلى المفاوضات, بل إنه بهذا الطلب الجائر, أعطى الدليل مجدداً على إمعان السياسة الإسرائيلية في المضي عبر هذا النهج من خلال وضع تهمة التحريض الإعلامي والثقافي والفكري الذي تمارسه ضد الفلسطينيين في الفلسطينيين أنفسهم لكي يتم قلب حقائق الصراع رأساً على عقب, فتتبرأ إسرائيل من تهمة ثابتة عليها هي إيغال صدور الناشئة في إسرائيل بالحقد العنصري ضد الشعب الفلسطيني واستعداء الغرب عموماً والرأي العام الأميركي خصوصاً على الفلسطينيين والعرب, لتضعها في الشعب الفلسطيني والعرب.
وفي معنى التحريض الذي يطالب شارون بوقفه وهدفه, نجد انهما ينحصران في ثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة الكفاح من أجل استرداد حقوقه المغتصبة, فشارون لا يريد للشعب الفلسطيني أن يطالب بحقوقه في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة والقدس, وإن طالب بها فمطالبته تندرج في سياق التحريض ضد إسرائيل.
والموقف نفسه ينسحب على كل دعوة لمقاومة الاحتلال, أو كل وصف لإسرائيل وسياساتها بالعنصرية, أو كل رأي يدحض أكاذيب إسرائيل وافتراءاتها على العرب وتاريخهم وثقافتهم وعدالة قضيتهم.
إن وقف التحريض الذي يقصده شارون هو وقف التعبئة الذاتية للعرب في مواجهة الاحتلال وصولاً إلى احتلال آمن وتسويات تفرض عليهم ما توافق إسرائيل عليه من انسحابات جزئية على الأرض العربية, مع تأكيد مواصلة العمل بسياسة الاستيطان تسمينا وتوسعة.
ولو أن المقصود بالتحريض غير هذا, لتعين على شارون أن يعلن استعداده القاطع للانسحاب الكامل وتفكيك البنى الفوقية والتحتية للاستيطان قبل أن يطالب بوقف التحريض ضد إسرائيل.
وفي مقابل هذه الديماغوجية عن التحريض, يجدر التذكير بأن التحريض الحقيقي الذي جرى انتهاجه بصورة بشعة عبر مراحل الصراع هو ذاك الذي مارسته إسرائيل وما زالت تمارسه عبر مؤسساتها الفكرية والثقافية والإعلامية والدبلوماسية في اتجاهين: الأول هو التعبئة الفاشية العنصرية التي تتم بطرق منهجية للمجتمع الإسرائيلي منذ نعومة أظفار الفرد فيه وحتى مماته ضد كل ما هو فلسطيني وعربي,والثاني هو تزوير حقائق الصراع وتشويه تاريخه وواقعه في الفكر الغربي عبر تصوير إسرائيل دولة محاطة بسور من العداء العربي وواحة للديمقراطية أمنها مهدد بغية استدرار العطف الغربي والأميركي, فيما الحقيقة هي أن إسرائيل هي التي تهدد أمن العرب بقوتها الغاشمة, وهي التي تحتل جزءا من اراضيهم وترفض الانسحاب الكامل منها مقابل السلام, وهي التي تحرض أميركا على معاداة العرب وتوريطها في مآزق صعبة عبر دفعها لخلافات حادة معهم, وربما أيضا لاستخدام القوة العسكرية على غير وجه حق كما حدث في الحرب على العراق وتداعياتها التي لم تكن في مصلحة أميركا ولافي مصلحة علاقاتها مع العرب وصورتها ومصداقية سياستها عندهم.
إسرائيل تريد انتزاع الشعب الفلسطيني من جوهر ثقافته وفكره وقيم نضاله التاريخي ليسهل عليها تصفية قضيته وحقوقه الثابتة, كيف..? هذا ما يتحقق بإسقاط الفكر المقاوم عبر محاولة ما يوصف بوقف التحريض ضد إسرائيل من أجل تجميل صورتها العدوانية العنصرية وتمرير مشروعها التوسعي...!.