والواضح أن مجالات متعددة من أنشطتنا الاقتصادية لايحددها ناظم, ولاتضبطها آليات, ولاتحكمها قوانين وتعليمات شأن سوق العمل المنظمة التي تحكم القطاع العام وكبريات المؤسسات الخاصة, بينما تضيع تلك النواظم والمعايير في الكثير من الأنشطة الاقتصادية الخاصة في مجالي الإنتاج والخدمات.
وتزدهر في أنحاء المدن وعلى جوانب أسواقها أنشطة تجارية وخدمية متعددة لاتخضع لقانون ولاينظمها ناظم, ولاتقتصر هذه الأنشطة على المتاجرة والبيع خارج المحال والأسواق النظامية , إنما تمتد إلى الكثير من المنشآت والمؤسسات الخاصة التي يرتكب أصحابها مخالفات قانونية عبر عدم الإفصاح عن العاملين لديهم خوفا من التعويضات, وهروبا من دفع بعض الضرائب والالتزامات المالية, وهم بذلك يحرمون العاملين من أبسط حقوقهم في التأمين عبر تسجيلهم في قيود التأمينات الاجتماعية, وبالتالي ضمان تمتعهم بمزايا الرعاية الصحية والاجتماعية التي يفترضها القانون للعاملين كافة..
وتتعدى الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة حدود المدن والقرى إلى الجبال والسهول حيث يعمل الكثيرون في مواسم الجني والحصاد بصورة مؤقتة, ويسهمون في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون أن تمتلك الحكومة والجهات الرسمية القدرة على تحديد شكل ومقدار مساهماتهم الحقيقية بشكل دقيق, الأمر الذي ينعكس سلبا في أحد جوانبه في القدرة على التخطيط المستقبلي السليم, أو وضع مؤشرات تخطيطية تشمل جميع الأنشطة الوطنية.
وباعتقادي أن مهمة كبيرة بانتظار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يمكن أن تبدأ بها شريطة توفير الأسس والمقومات الذاتية التي تدعم أداءها.
ولعل اختيار الوزيرة الجديدة من بين أساتذة كلية الاقتصاد يعكس الرغبة الموجودة لدى الحكومة في الالتفات إلى هذا القطاع الواسع الذي يتضمن شرائح متعددة يعتمد بعضها طرائق وأساليب لاتتناسب مع القيم والمنظومات الإدارية والقانونية.
والدعوة الموجهة إلى وزارة العمل كبيرة وتحمل صعوبات ترجع إلى تراكم سنوات كثيرة من الأخطاء والتسيب, وترك سوق العمل يخضع لتأثير بعض المستفيدين والمتنفذين الذين لايجدون هما سوى تجميع المزيد من الأموال, بغض النظر عن العواقب المستقبلية, التي قد تحمل بعضا من خطر..