تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الخميس 9/9/2004
أنيسة عبود
ان زميلي. لم يكن ممتلئا كما الآن. ولم يكن ذلك الخاتم الكبير في إصبع يده اليسرى..

كان ودودا. ويستقبل الزملاء كلهم بابتسامة عريضة هو الآن يبتسم ويهلل للذين يزورونه.. لكن وراء الابتسامة ما وراءها..‏

أبدا. لم يكن هكذا. كان يمتلك عدة قمصان يرتديها على مدار العام أو العامين.. لم يكن يعرف القمصان المستوردة والقمصان الحريرية وربطات العنق الفاخرة. ولم تكن علاقة مفاتيحه بآلاف الليرات..‏

أما المسبحة.. المسبحة كانت من البلاستيك الملون, المزخرف بألوان عديدة.. كنا نراها جميلة وأنيقة أكثر من مسبحة اللؤلؤ التي يحملها ويتفقدها كل دقيقة وهو يجلس معك.‏

أجل.. كان زميلي. كان له وجه واحد لا غير.. شعر أملس.. غامق السواد.. وجه عريض وصوت قالع.‏

وكنا ننم كل صباح على السياسيين والمسؤولين وعلى وزارتنا تحديدا.. وكنا ننتهي عند الرواتب والأسعار القاصمة للظهر.. لكن في نهاية الدوام.. وبعد أن نرشق يوما كاملا إلى الفراغ وندلق جزءا من أعمارنا على البلاط.. كنا نتحدث عن الحب, وما يفعله الحب في روح الإنسان وفي مظهره وصوته ورؤيته للمحيط الذي حوله..‏

كنا ننم فعلا ولكن لم نكن نحقد ولم تكن زميلة من الزميلات (تفلت) من تعليقاتنا.. هكذا كانت تمضي أيام الوظيفة الأولى حيث نتساءل عن سعر القميص الذي يرتديه الزميل.. وعن أرخص المحلات التجارية. وكنا نبتسم ونحن نسأله: متى ستبدل حذاء أبي القاسم الطنبوري? كان يقهقه بصوت عال وهو يردد. (خلقت ودودا حتى للأشياء).‏

(والله كان زميلي) وكان بائسا ويائسا وهو يقلب شهادة (الدال) بين يديه ويتباكى على زمن قضاه في دولة اشتراكية, يوم كانت هناك دول اشتراكية. لم يكن ضليعا بشيء إلا في نقل النكت لذلك كنا نلتف حوله كل قهوة صباحية.‏

فجأة زميلي لم يعد زميلي.. تتغير النفوس مع تغير الأحوال مع ذلك أجد من الطبيعي أن يرتدي الحرير.. وخواتم العقيق ومن الطبيعي في هذا الزمن -أن يكون راتب المرء لا يشتري أكثر من حذاء أجنبي مع ذلك هو يرتدي عشرة رواتب على جسده الذي سيأكله التراب ولن يبقى من حريره شيئا..‏

لكن -وكان زميلي- من غير الطبيعي أن يحصل هذا التغير في شخصية وأخلاق زميلي- الذي كان-.‏

دهشت من كم النفاق الذي عنده.. ومن كم الكذب الذي يمتلكه كدت أصرخ في وجهه وأنا أزوره -من أين لك هذا النفاق كله يا رجل?! هل غيرت الكرسي?! أم غيرت الارتكابات? أم السهر في -النجوم الخمس?).‏

ليس أسهل على زميلي من أن يرحب بك ويطلب لك الزهورات حفاظا على صحتك وأعصابك.. وليس صعبا عليه أن يروي لك نكتة جديدة ويرفع صوته عاليا وهو يتلقى هاتف مسؤول كبير ثم يعتذر منك على إطالة الحديث.. وقد يودعك إلى الباب وهو يكذب عليك ويعدك ويمنحك الثقة -كل كل ذلك يذهب أدراج الرياح.. عند ذلك لابد أن تقول: يا الله ما أكذبه.‏

 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 30270
القراءات: 30268
القراءات: 30266
القراءات: 30273
القراءات: 30272
القراءات: 30266
القراءات: 30261
القراءات: 30279
القراءات: 30280
القراءات: 30278
القراءات: 30275
القراءات: 30272
القراءات: 30272
القراءات: 30276
القراءات: 30273
القراءات: 30277
القراءات: 30272
القراءات: 30276
القراءات: 30288
القراءات: 30269
القراءات: 30271
القراءات: 30274
القراءات: 30268
القراءات: 30276
القراءات: 30278
القراءات: 30274
القراءات: 30273
القراءات: 30287

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية