الأول هو التخلص من قطاع غزة لما يشكله من عبء كبير على الاحتلال الإسرائيلي مرده يعود إلى كثافته السكانية الهائلة, مما يجعل الاحتلال عاجزاً عن تحقيق السيطرة عليه مهما استخدم من قوة وأساليب قمع, وبالتالي يجعل الاستيطان فيه شبه مستحيل لعدم قدرة الاحتلال على توفير الأمن للمستوطنين وسط هذه الكثافة السكانية, فيما الاتجاه الثاني لهدف الخطة هو المناورة على جهود السلام بحركة التفافية تستهدف إجهاض خارطة الطريق- على تواضعها- لكي تتخلص حكومة شارون من أي التزامات قطعتها على نفسها بالموافقة الأولية على هذه الخطة رغم الشروط الأربعة عشرة التي وضعتها عليها وأفرزتها من مضمونها كخطة للسلام.
واللافت للنظر في خطة شارون أنه تم النظر إليها من جانب بعض المسؤولين الأميركيين وحتى مسؤولين أوروبيين على أنه يمكن أن تساعد على إحياء عملية السلام إذا اقترنت بخطة خارطة الطريق ولم تكن بديلاً عنها.
لكن تفاؤل هذه النظرة لم يدم طويلاً, كما لم يدم التضليل عن أهداف هذه الخطة وطبيعتها المناورة أمام موقفين إسرائيليين يتصل الأول بالنشاط الاستيطاني المحموم في الضفة الغربية خلافاً لتفاهمات حكومة شارون مع الإدارة الأميركية حول تجميد الاستيطان وتفكيك ما سماه شارون بالمستوطنات العشوائية, ويتصل الثاني بخطة خارطة الطريق نفسها.
أما الموقف الأول فكان في الكشف عن مخطط لإقامة 1800 وحدة استيطانية في الضفة تحت شعار تسمين المستوطنات القائمة, ما يؤكد أن شارون يعمل على تعويض إخلاء غزة باستيطان مكثف في الضفة, وهذا جانب من مناورة خطته.
وأما الموقف الثاني فكان في توجيهه لوزرائه مؤخراً بعدم ذكر خارطة الطريق في تصريحاتهم أو الدعوة لتنشيط العمل من أجلها, والتأكيد على أن الخطة الوحيدة المطروحة أمام حكومته هي خطة الفصل أحادي الجانب في غزة, ما يكشف أن هدف خطته هو نسف خارطة الطريق وشطبها من أجندته السياسية بالكامل, لوضع الجهود الدولية المكرسة لإحياء عملية السلام أمام أحد خيارين: إما التكيف مع خطته الخاصة بالتسوية رغم تهميشها لمتطلبات السلام وأهمها تفكيك الاستيطان وإنهاء الاحتلال بكل رموزه وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على كامل أرضه المحتلة بما فيها القدس, وإما التوقف نهائياً عن بذل أي مجهود أو جهد يسعى إلى السلام على أساس مرجعيته الدولية.
والآن وقد أفصح شارون عن هدفه المزدوج من خطة الفصل لدفن خارطة الطريق واطلاق العنان لسياسته الاستيطانية, نسأل والسؤال برسم الرباعية: إلى أين يدفع شارون بالوضع في المنطقة بعد تجاوزه للرباعية الدولية وجهودها وخارطتها?
وماذا عن الموقف المفترض لهذه اللجنة وللإدارة الأميركية التي ما فتئت تسمي شارون برجل سلام? هل ترضى الرباعية بأن يبلغ تطاول شارون هذا الحد الخطير على إرادتها وجهود سنوات بذلتها من أجل فتح الطريق أمام السلام بعد أن سدته إسرائيل بأكوام من العقبات?.
الرباعية في حرج والإدارة الأميركية في حرج, ولا مخرج من هذا الحرج إلا بردع شارون عن سياسته المناورة وإجباره على الاستجابة لمتطلبات السلام كاملة, وهذا لايتحقق إلا بسياسة عزل محكمة لإسرائيل تطبيقاً لأحكام الميثاق الدولي الذي يدعو في حالة تهديد من طرف ما للسلم والأمن الدولي على النحو الذي تفعله إسرائيل بسياستها الرافضة للسلام, إلى تطبيق نظام العزل الدولي بحقها واستخدام القوة ضدها إذا لزم, لأجل إلغاء خطرها على السلم والأمن الدوليين, فهل تفعلها الرباعية وتجعل إسرائيل ترضخ للإرادة الدولية?.