ولكنه انتقاد لم يصل حدود الممانعة الفعلية, كما أنه لم يكن بمستوى الجريمة التي اقترفتها إسرائيل في غزة, بل حتى أن باول الذي جاء انتقاده عرضياً كان يدرك مسبقاً أنها مداورة على الألفاظ أكثر مما هي انعكاس لموقف أميركي جدي.
وبغض النظر عن محدودية التأثير, وسطحية الرغبة الأميركية, فإن مناخ التبشير يتحرك في كل اتجاه, ويتلاقى فيه الأميركيون والإسرائيليون سواء أكانوا حاخامات أم رجال سياسة.
فالرئيس بوش يبشرنا بأميركا, والحاخام يوسيف يبشرنا بالقتل, وبين التبشيرين يقف العالم في لحظته الراهنة, حيث مسلسل الموت يتصاعد إثارة, والقصة الدرامية تزداد تشويقاً.
لسنا بوارد المقارنة, حيث الخطيئة تقف على بعد أقل من خطوة, ولكنه التزامن في البحث عن الذريعة, وأحياناً التوافق في الطرح مع الفارق في الرغبة والتفرد.
إذاً بكل وضوح; إنه زمن التبشير, وإن كان السؤال عن أي تبشير, وبأي لغة? لا يزال سؤالاً حائراً وسط تداعيات القتل والدم, حيث اللغة الوحيدة هي حرب الإبادة وفق نظم الهوس بالغوص عميقاً في متاهة الوصايا, وأحياناً في دوامة الإلغاء.
ولكن, ألا يبدو الاستدراك هنا ملحاً, وأن الجماجم التي تصيغ الفكر الصهيوني قد تآكلت أو هي اهترأت بفعل التقادم, والاستجداء بها هنا يشير إلى الأزمة بمفاعيلها المختلفة, كما يؤكد الإفلاس بأوجهه المتباينة.
لقد بات القتل سياسة إسرائيلية يومية, واقتراف المجازر احترافاً يفاخر به جنرالات الحرب والسياسة في إسرائيل, بل ويتوعدون بالمزيد منه, ويوزعون التهديدات يميناً ويساراً.
أليس هذا المناخ هو النتاج الفعلي لسياسات مغرقة في دمويتها, ثم ما هي الحصيلة النهائية لكل ذلك الانفلات وتلك الدعوات التبشيرية التي تعيد الظلامية من بابها الواسع?
لا أحد يشك بأن شارون يقود المنطقة نحو المجهول, ولا يخفى على أحد أن الأصابع الإسرائيلية تتوزع في أدوارها لتزيد من قتامة المشهد, وإذا كانت دعوة الحاخامات لمزيد من القتل تعكس تلك الرغبة الدفينة فإن الصمت والتريث, وحتى المهادنة التي تتسم بها المواقف الدولية ستفسح المجال نحو ما هو أكثر كارثية.
ومهما تكن الذرائع والحجج التي تتلون, فإنها لم تعد ضرورية, ولم يعد هناك من يتكئ عليها, خصوصاً أن آخر الأوراق التي كانت تتستر وراءها قد سقطت, والأكثر من ذلك, ثمة ما يدعو وبإلحاح إلى أن ذلك المشهد بتداعياته المختلفة أضحى من الماضي.
والوقائع على الأرض تؤكد ذلك, حيث ما كان محظوراً في الماضي, أضحى من المسلمات, وفي ذلك ما يوحي بالكثير وما يدعو للتوقف والتأمل, حيث الانفلات الدموي والتعبير الصريح عن الرغبة في القتل توحي بوجود المزيد في جعبة الإسرائيليين ليبشروا فيه, وليترجموه على أرض الواقع.