القوة والاستعباد والقهر والإذلال للشعوب ومصادرة حرياتها, من قبل قوى نافذة ومؤثرة يفترض أن تكون عامل توازن واستقرار لا عامل فوضى واضطراب وحروب, أغراها التفرد وجبروت القوة والاستئثار بالقطبية الأحادية, في إزكاء وتأجيج وتحريك أحلام العودة بالعالم إلى عهود الامبراطوريات والاستعمار القديم, ورسم خرائط جديدة له تلبي أطماع ومصالح احتكارات المال والنفط والسلاح, التي تتقاطع والمشروع الصهيوني وتتكامل معه.
وبداهة أن حساسية وخطورة الأوضاع السائدة تفرض وجود ملفات على قدر كبير من السخونة, وقضايا ومشكلات كثيرة في غاية التعقيد على جدول الأعمال, ليس من باب التهويل والمبالغة القول: إن فلسطين والعراق اللذين يشهدان اليوم فصولاً دموية مغرقة في مأساويتها وكارثيتها واستهتارها بالجنس البشري, جراء الاحتلال الواقع عليهما من جانب إسرائيل والولايات المتحدة, وحرب الإبادة والتدمير الشاملة التي تشن بلا هوادة ولا تمييز لقتل كل أسباب ومقومات الحياة فيهما, هي الأهم بين هذه الملفات والقضايا والأشد ضرورة واحتياجاً للمعالجة بروح المسؤولية وهدي المبادئ والأسس التي قامت الأمم المتحدة على أرضيتها والقرارات المتلاحقة لها ولمؤسساتها, الكفيلة وحدها بنزع فتيل الأزمة وإنهاء دوامة العنف والتوتر ووضع حد لمعاناة هذه المنطقة وآلامها.
صحيح أن تقاعس المنظمة الدولية عن التصدي لمهامها ومسؤولياتها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وخاصة في هذا الجزء الملتهب من الكون, وأخذها بسياسة المعايير المزدوجة والاستثناءات الأميركية الصنع, وعجزها لأسباب معروفة عن أن تفرض نفسها وقراراتها على غير الضعفاء, وفشلها حتى اللحظة في التعاطي الحازم مع أولئك الذين يستقوون بمواقف واشنطن ودعمها وتحالفها الاستراتيجي, ويمارسون بإباحية وسادية وشوفينية عنصرية لم يعرف التاريخ مثيلاً لها, سياسة /المحرقة/ والإرهاب المنظم بأعلى توصيفاته ودرجاته, والتهديد والاحتلال والاستيطان وزراعة الموت في الأرض العربية والفلسطينية, قد تسبب بإطالة الصراع ومد أجله, وفي استجرار المزيد من النكبات والمآسي والابتعاد عن السلام, لكن ذلك يجب ألا يشكل بأي حال من الأحوال قاعدة عامة, تحول دون الاضطلاع بالدور المناط بالمجتمع الدولي القيام به وبسط مظلته على الجميع وفرض قرارات شرعية دون انتقائية.
لقد شكلت إسرائيل منذ إنشاء كيانها الغاصب على أرض فلسطين ولا تزال, التحدي الرئيسي للأمم المتحدة ومؤسساتها والاستعصاء ومصدر التهديد الأكبر والأخطر على السلام والأمن العالمي, بشهادة دول المجموعة الأوروبية والتي عكست مزاج الشارع الأوروبي بغالبيته, والمعبر عنها في استطلاعات للرأي أجريت قبل مدة, لم يستطع حكام تل أبيب إزاءها سوى الهروب وتكرار معزوفة الابتزاز والاتهام لأوروبا وكل من يعارض سياستها وجرائمها ب¯/معاداة السامية/, وليس هناك من يقاربها في التطاول على القانون الدولي والتمرد والعصيان, والاستهتار بقرارات مجلس الأمن المكدسة بالعشرات, بانتظار من ينفض الغبار عنها..
وإذا كان المهم والملح أمام الجمعية العامة في دورتها هذه, إيجاد الصيغ العملية والآلية الكفيلة بتفعيل دورها وتصحيح الاتجاه الخاطئ في السياسة الدولية, وعدم ترك الساحة لمفتعلي الحروب والباحثين بشغف عن الانتقام من العرب والعالم, الذي يرفض بعناد سياسة الاحتواء وأن يكون تابعاً أعمى لأميركا وإسرائيل ومتلقياً لثقافتهما, فإن وضع الأخيرة كقوة احتلال وحالة شاذة وفاقعة في عدوانيتها وجرائمها وتهديدها للسلام يجب ألا يستمر ومطلوب البت فيه وإنهاؤه.