فجاء رد الخارجية الأميركية على هذه التصريحات, والذي رأى بعدم جدوى الحديث في هذا الموضوع متوافقاً نصاً وروحاً مع موقفها الحازم لشن هذه الحرب إزاء الدول التي عارضتها داخل مجلس الأمن وخارجه سواء وافقت الشرعية الدولية أم لم توافق.
فأميركا ورغم المأزق الذي تعاني منه في العراق جراء غياب الأمن لا تزال تتعامل مع الشرعية الدولية وكأنها أداة لخدمة السياسة الأميركية, ولا يمكن فهم رد الخارجية الأميركية المتغطرس على أنان, والذي حدد له ما يجب عليه فعله وقوله أو التغاضي عنه في هذا الشأن إلا في هذا السياق.
فالإدارة الأميركية تريد للشرعية الدولية أن تكون شاهد زور على سياستها الدولية التي فاقمت إلى حدود خطيرة الأوضاع في العديد من مناطق العالم إلى درجة تهدد الأمن والاستقرار الدوليين, وانطلاقاً من استراتيجيتها هذه لا يستبعد في القريب العاجل أن تطلب من أنان وغيره من المسؤولين العاملين في الأمم المتحدة ومؤسساتها تمرير خطاباتهم للخارجية الأميركية, للبت فيها حرصاً على عدم الخلط بين ما تريده الولايات المتحدة من جهة والمجتمع الدولي من جانب آخر.
للأسف ما حاولت الخارجية الأميركية التركيز عليه في ردها على أنان لا نجد منه شيئاً على أرض الواقع في العراق, فالديمقراطية التي تريد تطبيقها بالقوة في هذا البلد لا يريدها شعبه, والأمن والرخاء الاقتصادي الذي وعدت به الشعب العراقي لا يبدو ممكنا تحقيقه في المديين القريب والمتوسط, والوضع يزداد تعقيدا وليس أدل على ذلك من ازدياد الخسائر الأميركية في الأرواح والمعدات يوماً بعد آخر.
الرد الأميركي على أنان الذي تأخر في قول الحقيقة التي يعلمها الجميع لا ينسجم إطلاقاً مع التوجهات الأميركية لإعطاء الأمم المتحدة دوراً سياسياً في العراق, إلا إذا كانت هذه التوجهات تندرج في إطار الاستهلاك الإعلامي وبهدف التغطية على الخطوات الأميركية لمستقبل العراق السياسي.
وأيضاً هذا الرد لا يتوافق مع تصريحات أخيرة للرئيس الأميركي جورج بوش حول رغبة بلاده بدعم دور الأمم المتحدة على الصعيد الدولي, وهو مثار للتشكيك بصدقية أميركا مع الشرعية الدولية.
لقد كان الأجدر بالإدارة الأميركية أن تقبل بما قاله أنان,ولاسيما في ظل عدم العثور على أسلحة دمار شامل وكون التوصيف الذي أطلقه مجلس الأمن للوجود الأنكلو- أميركي في العراق (الاحتلال) غير شرعي وقانوني ومخالف لميثاق الأمم المتحدة, فكان من شأن هذا القبول إعادة هذا الملف الخطير إلى الشرعية الدولية وما يمكن أن يحققه ذلك على صعيد تفادي المزيد من الغرق في المستنقع العراقي.
اعتراف أنان بعدم شرعية وقانونية الحرب شهادة من المفترض ألا تمر مرور الكرام, فعلى المجتمع الدولي الذي تحرك لمحاسبة دول ورؤساء على أحداث غير قانونية أو شرعية مضى عليها سنوات أن يفعل الشيء ذاته إزاء المسؤولين عن غزو العراق وتدميره.