كلنا على مفترق: حافة الهاوية أم حافة السكين. ما الفارق? ذاك السكوت العربي -الوهن العربي- الرهيب حيال تظاهرة الضياع في تلة الكابيتول وحولها.
هل سورية هي وحدها المقصودة, هل بشار الأسد وحده المقصود, أم أن الهدف هواحتواء تلك الحالة العربية الوحيدة التي تحول دون العرب والاضمحلال, أجل الاضمحلال وأكثر, داخل المتاهة.
كلنا على مفترق أكثر من أن يكون خطيرا. الإعصار يزداد هولا. الفضائيات العربية, والعديد منها متورط بل ومتواطىء مع معماريي الانهيار, غسلت يديها (المرصعتين بالذهب) من كل ما له علاقة بجوهر القضية. الكاميرات تلتقط الخبر وهو يشتعل ثم تضعه بين أسنان الببغاوات. ألم نبتعد قرونا عن ثقافة جرير والفرزدق?
نفهم أن يكون هناك في الغرب من التقط اللحظة الأمريكية, وبكل إشكالية اللحظة, لكي يشارك في الحصار تحت ألف قناع وقناع, فيما لا يرف جفن لأحد وهو يشاهد كيف يقدم حفارو القبور أنفسهم على أنهم أساقفة التحديث في المنطقة, أيضا وهو يشاهد كيف يتم تصنيف الأرواح (الأرواح البيضاء والأرواح الصفراء... أليس هذا ما كتبه ديفيد فروم?), وكيف تزهق الأرواح, وكيف يتم الفصل, وبالدبابات, بين الناس وأبواب بيوتهم, ناهيك عن أبواب آبائهم, وكيف تستنزف الثروات, بتقنية الثعابين إياها, وكيف تقبع تماثيل الهواء فوق أكتافنا. لا أحد يعترض, ونكاد لا نعترض لأننا نعلم أي مؤسسة تبني ذلك الضمير الذي يمشي على قدم واحدة.
حضارة بكاملها تمشي على قدم واحدة? أين القدم الأخرى? لقد استيقظت القرون الوسطى وراحت تلاحق المحطمين...
لكننا لا نفهم أن يكون هناك في وسائل إعلام عربية من هم ضد سورية. يا جماعة أين عيونكم? يا جماعة أين دقات قلوبكم? يا جماعة أين ضميركم? أنتم تعلمون من يتولى تسويق التشريعات في تلة الكابيتول, وكيف تتدحرج من غرفة إلى غرفة, ولأي غاية يحدث ذلك. نحن لا نقول لكم لا تعلقوا, ولا تنتقدوا. وثمة في دمشق من يصغي بدقة لكل نقد, ومن يناقش, ومن هو مستعد للأخذ بأي وجهة نظر مقنعة حول الأسلوب, أو حول الأداء أو حول أي مسائل أخرى تجعل من سورية, ومن المجتمع السوري, أكثر قابلية للتفاعل مع ديناميات العصر. لكننا نقول لكم, حين تشاهدون نوعية الضباع التي تصوغ السياسات, وإلى أين يرمون, وقد أفصحوا عن ذلك بالفم الملآن, بل وبقاذفات القنابل, وبنسق من الرؤية يفضي حتما إلى تدمير كل أثر للأخلاقيات السياسية, هل من المنطقي أن تضعوا أنفسكم بين براثن الإعصار? وهلا سألتم لحم من, دم من, تمزقون?
هذا لا يعفينا من مهمة حساسة وصارخة. إننا نمتلك الكثير لكي نواجه, وبالحجة المنطقية, من أخذ بجاذبية المصطلحات, لا بجاذبية المفاهيم -وما تعني على المستوى الفلسفي والاستراتيجي- ونحاول أن نضعه في صفنا. اللهم إلا إذا قررنا أننا من أهل الهلكة, ولا جدوى حتى من أن نصرخ في وجه.. الصراخ.
إنها تماثيل الهواء... يا صديقنا الزلزال!