فمن يتابع تصريحات الرئيس الامريكي وبخاصة التي أدلى بها عقب لقائه الارهابي الموصوف ارييل شارون في واشنطن , او بعد اللقاء , يدرك حجم الكراهية الذي يعتمل وجدان الرئيس اذا كان يعني ما يقول , وحجم الجهل للوضع في المنطقة, وتعاطيه مع مشكلتها وقضيتها , اذا كان لايعني ما يقول , مع أن الادارات الامريكية المتعاقبة تدرك بأن القضية الفلسطينية تشكل الرئة التي يتنفس منهاالعرب , ومقتلاً لحاضرهم ومستقبلهم في آن معاًَ.
تصوروا ان ارييل شارون هو رجل السلام كما يسميه الرئيس بوش, وان خطته احادية الجانب الملغومة نصاً وروحاً تستدعي ان يقدم له زعماء العالم شكرهم.
ترى ألا يطول الشكر هذا ذبح الفلسطينيين واغتيال قياداتهم ومحاصرة من لاحول ولاقوة له, وتشريد النساء وقتل الاطفال وقطع سبل الحياةعنهم , وتكريس مبدأ الجنازات اليومية في المشهد الفلسطيني , بحيث يواكب الجنازات اليومية في المشهد العراقي حدّ التوءمة في الهدف والاسلوب والنتيجة معاً..?
ترى ألا يكشف الشكر في الوجه الآخر الوضع الذي وصل اليه العرب من عجز عن المبادرة وضعف في التوافق , وتشتت في الرؤى والرؤية , واغتنام هذاالوضع الذي بدوره وفرّ ظروفاً كالتي تشهدها اليوم, بما في ذلك اتحاد الحقد والكراهية ضد العرب واستهدافهم على خلفية عجزهم وانعدام القدرة لديهم على التأثير في أي من الساحات الدولية , سواء منها الاقليمية أم الدولية, وبينهما الاوروبية للتصدي أو لوقف سيل السموم القادم على جناحي احتلال العراق وفلسطين, وتداعيات ما يجري فيهما,ولهما, ومن بعدهما للعرب والمسلمين..?
لقد اسقطت الإدارة الامريكية دورها في المنطقة بيدها , ويبدو أنها تعمدت الاعلان عن إنهاء هذا الدور , وإبلاغ كل من كان يعوّل على هذا الدور أهمية ما , أن ينسى هذا التعويل , وأن يبحث لنفسه عن مخرج , فالانحياز السافر دفع شارون للاعلان امام الكنيست الاسرائيلي بأن ما تحقق له في القمة التي عقدها مؤخراً مع الرئيس الامريكي يعتبر نجاحاً لاسابق له في تاريخ اسرائيل, وان ما تلقته من دعم لايماثله دعم منذ قيامها على أرض فلسطين عام1948, وان الضربة التي وجههاالرئيس الامريكي للفلسطينيين هي الاقسى منذ اعلان قيام اسرائيل.
فماذا ينتظر العرب من الولايات المتحدة الامريكية بعد هذاكلّه? وكيف بوسعهم فهم التحول الخطير في السياسة الامريكية في الوقت الذي يواصل فيه العرب التمسك بمبادرات السلام وخطابات الحوار وانتزاع التصريحات المخففة من وقع الأداء الامريكي الصارخ الذي وضعه الرئيس الامريكي كلّه في السلة الاسرائيلية بكل صراحة ووضوح , وعن سابق تصميم واصرار واضعاً العرب امام خيار واحد ووحيد هو وحدة الموقف.. والكلمة .. والقرار, لمواجهة ما يجري وتوظيف طاقات العرب وامكاناتهم ودورهم في السلة المقابلة?
وإذا كان مبدأ رب ضارة نافعة صالحاً , فإن من ايجابيات تأجيل انعقاد القمة العربية والتداعيات التي اعقبت التأجيل أن تضيف الاحداث الخطيرة التي اعقبت ذلك, ومنها الانحياز السافر للإدارة الامريكية , بنداً الى مقدمة جدول اعمال القمة العربية . محملاً بالنتائج الكارثية التي اسفرت عنها قمة شارون - بوش, والتصريحات التي رافقتها واعقبتها , والموقف المطلوب منها . بحيث تتحول القمة العربية المنتظرة الى منعطف عربي تاريخي , تستخلص المحصلات المستفادة, وتتحول الى دروس وعبر يعكف العرب على دراستهاواعادة النظر في استراتيجيات الاقطار المنفردة واذابتها في بوتقة استراتيجية قومية واحدة , بحيث تشكل انطلاقة جديدة تؤسس لموقف دولي , يسبق قمة الثمانية المزمع عقدها في الولايات المتحدة الامريكية من جهة , ويؤسس ايضاً لموقف اوروبي مساند, وقبل هذاوذاك يعزز من مبدأ الدفاع عن النفس , وهذا أبسط الحقوق وأهم الواجبات بحيث تجسر الفجوة القائمة بين نبض الشارع العربي الذي يتابع ويشاهد كل يوم ما يجري له وحوله, وبين الأداء الرسمي للنظام العربي الراهن.
فالقمةالعربية رهان مشروع وضرورة قومية ملّحة والنتائج المنتظرة منها هي الضوء المرتجى في آخر النفق, فعلى القمة تنعقد آمال الشعب العربي وإحباطاته معاً , فليس بالضرورة ان تتطابق سياسات الحكومات مع طموحات الشعوب , لكن يجب أن تتكامل , فلم يعد هناك الكثير من الفرص لإضاعتها , هكذا قال السيد الرئيس بشار الأسد في قمة بيروت , فلتساهم القمة في ترسيخ التكامل وجسر الفجوة القائمة مع الشارع العربي , بدلاً من تكريس الافتراق والتشرذم , ولتكن القمة القادمة قمة القمم.