لا بل إن كيري قدم كشفا يعارض كل هذه العناوين البراقة, وخصوصا بما ينوي تقديمه لإسرائيل في حال فوزه, فبالغ في غيرته على (أمنها المهدد) المزعوم, ونصب نفسه المدافع رقم واحد عن (حقوقها المزيفة) في القدس المحتلة, وكان موقفه أكثر وضوحا فيما يتعلق بقرار الأمم المتحدة رقم 194 عندما أكد أنه سيبذل قصارى جهده لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم, فطمس بغير وجه حق أهم الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
وأما فيما يتعلق بالقضية العراقية, فرغم الانتقادات الكثيرة التي وجهها كيري للإدارة الحالية وسياستها في العراق إلا أنه لم يقدم حلوله لإنهاء معاناة الشعب العراقي وانسحاب قوات بلاده المحتلة من هناك, لا بل كان غامضا في توصيفه وأصر على ما أسماه متابعة العمل هناك, وهذا الموقف ليس غريبا على كيري أو على الديمقراطيين, فقد كان هو نفسه من أوائل المؤيدين لشن الحرب على العراق أثناء التصويت في أروقة الكونغرس, ولم تكن انتقاداته لإدارة بوش إلا في إطار استغلال أخطائها وفضائحها في أبو غريب ومأزقها الأمني لكسب نتائج الانتخابات, وكان الديمقراطيون أنفسهم السباقين في تفعيل الحصار على الشعب العراقي وشن الحروب عليه ولا سيما في عهد كلينتون.
ولم تبتعد محاولات إقرار ما يسمى (قانون محاسبة سورية) عن هذه الدائرة, فمن أجل ارضاء اللوبي الصهيوني ذهب أعضاء الكونغرس الأميركي (من ديمقراطيين وجمهوريين) إلى إصدار هذا القانون, في سابقة خطيرة بالعلاقات الدولية, فلم يسبق لبرلمان دولة في العالم أن أعطى نفسه حق محاسبة دولة أخرى أو شعب آخر كما فعل الأعضاء المذكورون.
من الواضح إذا أن الديمقراطيين يتفقون مع الجمهوريين في المضي قدما في تحقيق المشروع الامبراطوري الأميركي في السيطرة على العالم, وفي الانحياز الأعمى لإسرائيل وتجاهل الشرعية الدولية, ودعم هذه الأخيرة ماليا وعسكريا ومعنويا وغض الطرف عن ارهابها وجرائمها الوحشية, ومجاراة اللوبي الصهيوني داخل أميركا في كل طروحاته مع اقتراب موعد أي انتخابات أملا في الحصول على دعمه وكسب رضاه.
وعلى هذا الأساس لا توجد خلافات على الأسس والقواعد العامة الناظمة للسياسة الأميركية تجاه منطقتنا بين الديمقراطيين والجمهوريين, وبالتالي فإن الرهان على مجيء إدارة ديمقراطية ورحيل إدارة جمهورية في غير محله, والقول أيضا بأن (المحافظين الجدد) هم من الجمهوريين فقط وليسوا من الديمقراطيين غير صحيح, فكم من نائب ديمقراطي ذابت المساحيق عن وجهه ليبدو أكثر عداء للعرب من أي جمهوري آخر.