تلك- ربما- كانت آخر النتاجات الجديدة لشارون وهو يبحث عن المخرج الآمن وسط ظلال كثيفة من الشك والارتياب بدوره وموقعه في الخارطة السياسية التي تتشكل بعد فترة الغليان القائمة.
ومهما يكن لون وشكل الرتوش الممتدة, ثمة من يتحدث عن تشكيل جديد للوحة الإسرائيلية, لاتقتصر في محتوياتها على إدمان القتل والاغتيال والاجتياح, بل تتعداها إلى نقل مشاهد الغوص عميقا في مترادفاتها السياسية التي لاتقل مغالاة عنها بأي حال من الأحوال.
وإذا كانت الصورة التي رسمتها ممارسات شارون ونهجه الدموي قاتمة في عيون المجتمع الدولي إلى حد الإجماع على رفض الكثير من معطياتها, بل والقلق من تجلياتها, فإن النكسات التي منيت بها السياسة الإسرائيلية على المستوى الدولي لم تغير في نهجها, ولم تعدل في أسلوبها, إنما هناك ما يشير إلى إصرار على التشبث بها.
ولعل النقطة الأهم هي ذلك التماهي في المشهد السياسي إلى حد أن الفوارق تتضاءل وتتلاشى في أحيان كثيرة, ولم يعد تطرف الليكود مقياساً, كما أن دموية شارون لم تعد استثناء.
تلك هي الوقائع التي تكرسها معطيات ذلك المشهد, ومع هذا نجد هنا وهناك, من يتحدث عن الأفق رغم انسداده, وكأن كل ما يجري لا يتحرك إلا في اتجاه واحد ووحيد.
فإسرائيل التي أباحت لنفسها الاعتراض والرفض لكل الإجماع الدولي نجد محاولات التجميل التي تقوم بها,تزيد عوامل القلق,وتضاعف مظاهر الخطورة,وهو ما تعكسه الممارسات المستمرة وحالة التصعيد الدموي.
لقد كان الرهان الإسرائيلي على تبدلات المشهد الدولي تقوم على أساس توظيف حالة الاستلاب, واستغلال التماهي الأميركي, وازدادت كثافة ذلك الرهان, فدفعت بالموقف الإسرائيلي الى حدوده التصعيدية القصوى وها هي تتحدى العالم وتوسع مستعمرة معالية ادوميم, كمثال حي وصارخ على الذهاب بعيدا في تحدي المجتمع الدولي وإرادته.
ويبقى مع ذلك السؤال في الاتجاه الآخر عن رهان البعض على استهلاك شارون والدفع ببدائله, وكأنه السراب الجديد الذي لم يكتف بتبخره, بل جرمعه آخر الأوهام.
فشارون الذي كان يقف على رأس هرم التطرف, تتجاوزه الطروحات الأكثر تطرفا, والآخرون الذين كانوا يتصيدونه في الماضي,أضحوا اليوم أداة نجاته, وهم يتسابقون في مخاطبةوده.
ليست المرة الأولى التي ينساق فيها الإسرائيليون وراء الطروحات الأكثر تطرفاً, وليست المرة الأولى التي تتساوى فيها كل الأطياف لتعبر عن حقيقة ذلك التطرف, ولكنها بالتأكيد الأخطر وهي تدفع بأوضاع المنطقة إلى التفجر أكثر مما هي متفجرة.
كما أنها المرحلة الأكثر مدعاة للقلق في وقت تنذر فيه المخاضات الداكنة بمناخ تصعيدي أكثر دموية, وأكثر خطورة, حيث التطرف يجتاح الموقف من أقصاه إلى أقصاه.