ومن البديهي, أن لا أسأل أحداً منهم حول السبب الذي دفعهم للقيام بمثل هذا الإجراء الوقائي.., فهؤلاء, وبدافع الإحساس بالتلوث المتفاقم في عاصمة الحضارات, لم يجدوا خياراً أفضل من هذه الطريقة لحماية سلامتهم الصحية.
المثل الذي أتينا على ذكره ليس عادياً, ولا يبدو مألوفاً على الإطلاق, ذلك أن مثل هذا المظهر لم نعتد على رؤيته لا في مدينة دمشق ولا سواها من المحافظات الأخرى,... ونحن في هذه الزاوية لسنا بصدد الحديث حول الآثار السلبية للتلوث على صناعة وعائدات السياحة, وإنما سنسأل:
أين هي الخطط والبرامج التي أعدتها الحكومة للحفاظ على البيئة وضمان سلامتها?!.. وماذا يعني, إصدار القرارات والقوانين والمراسيم, إن هي بقيت مجرد حبر على ورق وحبيسة الأدراج?!
باعتقادنا, ليست هناك جهات رسمية تمتلك إجابات وافية أو مقنعة ولو ضمن الحدود الدنيا, فهذه الجهات وفي حال استنفرت أقصى جهودها وإمكاناتها, فهي إما ستعقد مؤتمراً أو تنظم ندوة أو اجتماعاً, تذكر من خلاله أهمية وفوائد الطبيعة ومخاطر التصحر وتلوث الهواء.. أي أنها ستواصل إعادة إنتاج إسطوانة قديمة متجددة لا تندرج في مضمونها ومعانيها إلا في سياق الإرشاد الصحي وإطلاق الوعود في المضي نحو الأفضل, وذلك في وقت لا مكان فيه الى مثل هذه اللغة من الوعظ الأخلاقي, فبعض الحقائق التي تجاهر بها وسائل الإعلام منذ ما يزيد على العقد من الزمن, أن (75) بالمئة من تلوث الهواء في مدينة دمشق يعود الى عوادم السيارات العاملة على المازوت, كما أن هذه العاصمة التي تحمل تراثاً تاريخياً وحضارياً قل مثيله على ساحة المعمورة, سجلت خلال عام (2000) نحو أربعة آلاف حالة وفاة بسبب ازدياد غاز ثاني أوكسيد الآزوت في الهواء,.. فضلاً عن الفاتورة الاقتصادية الناجمة عن التلوث والتي يتوقع وصولها الى نحو (800) مليون دولار خلال العام المقبل. بعد أن وصلت الى حدود (640) مليون دولار خلال عام ,2000 حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء.
غير أنه, وعلى الرغم من هذه الحقائق التي ليست وليدة الاجتهاد أو التوقعات, فإن القائمين على إدارة ذمة البيئة -وعلى ما يبدو- ليسوا في وارد البحث عن حلول (ترقيعية) أو جذرية من شأنها الوفاء للطبيعة والإنسان والتقليل من مخاطر التلوث, وما يدفع إلى مثل هذا الاعتقاد, أن قانوناً للبيئة أصدرته الحكومة قبل أقل من عامين , ووعدت من خلاله بإصحاح بيئي لا حدود له, كما أن وزارة النقل أصدرت قراراً لمنع وسائط النقل (سرافيس) من العمل على المازوت..لكن, رغم كل هذه الخطوات والوعود, لا شيء تبدل, فأمراض الربو والجهاز التنفسي تتسع دائرة حضورها في المشافي والمراكز الصحية, ومعدلات الإصابة بالسرطانات تزداد تواتراً,.. وأما الغمامة السوداء التي تخيم على مدينة دمشق فمساحتها الى مزيد من الاتساع والكثافة,.. ومن لا يصدق فليذهب الى قمة قاسيون, كي يرى الفيحاء وفي وضح النهار (مسقوفة) بلون الليل!.