وخير شاهد على ذلك موقف واشنطن الأخير من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يعيد التأكيد على دور المنظمة الدولية فيما يتعلق بصون السلام والأمن الدوليين,فوحدها الولايات المتحدة عارضت القرار(ومعها إسرائيل بالطبع) بعد أن اعتمدته الجمعية العامة بأغلبية أعضائها.
فعلى الرغم من أن القرار المذكور ينص في الكثير من فقراته على أهمية ميثاق الأمم المتحدة والأهداف والمبادىء الواردة فيه,ويؤكد على تصميم المنظمة الدولية على إقامة سلام وأمن عادلين وفقا للميثاق, فقد وقف المندوب الأميركي ضده,ما يعني أن الولايات المتحدة لا يمكن لها إلا أن تجري بعكس التيار العالمي من خلال إغلاقها كل السبل أمام الاحتكام إلى القانون الدولي والشرعية الدولية.
فما معنى أن تقف الولايات المتحدة ضد قرار يدعو إلى التقيد الصارم بأحكام ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة بمساواة جميع الأعضاء في السيادة واحترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها?!.
وما معنى أن تعارض مثل هذا القرار الذي يؤكد على حقوق الشعوب التي لا تزال خاضعة للسيطرة الاستعمارية أو أي شكل من أشكال الاحتلال الأجنبي,ويدعو إلى إزالة أسلحة الدمار الشامل من جميع بلدان العالم لما تمثله من خطر كبير على مستقبل البشرية وحضارتها?!.
وبماذا يمكن للمرء أن يفسر الوقوف ضد قرار يؤسس لضمان بنية اقتصادية دولية تتسم بالعدل والديمقراطية والشفافية والإنصاف?!.
المعاني واضحة جدا,والتفسيرات لا تحتاج إلى عناء لفك رموزها,لأن الموافقة على هذا القرار ستعني احترام الولايات المتحدة لسيادة العراق وسلامة استقلاله وإنهاء احتلالها له,كما ستعني عدم التدخل في شؤون السودان الداخلية وعدم التهديد باستخدام القوة واعتماد مبدأ (الضربات الوقائية)ضد بلدان العالم,وخصوصا في (الشرق الأوسط الكبير) الذي تضع أميركا عيونها على ثرواته,وهذا كله يتناقض مع الاستراتيجية التي حددتها أميركا للسير على خطاها.
وفوق هذا وذاك فإن الموافقة على قرار يدعو إلى إزالة الأسلحة النووية من العالم سيضع أميركا وإسرائيل في مقدمة المطلوبين في هذه القضية,فيما تحاول واشنطن صرف أنظار العالم عن ترسانتها وترسانة إسرائيل التدميرية التي تجاوزت المئتي رأس نووي, فضلا عن الأسلحة الجرثومية والكيماوية المحرمة دوليا.
باختصار أصبحت القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة وتختصر الشرعية والقانون الدوليين جزءاً من الماضي (بنظر الولايات المتحدة) لأن القانون الوحيد المطلوب اليوم هو القانون الذي يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية,أما القانون الدولي فلا مبرر له ولا حاجة للاحتكام إليه, هكذا تريد واشنطن, فهل يقبل العالم هذه الرؤية.