ومما يزيد من حجم المفارقة أن يتوازى ذلك كله مع عزم الحكومة الإسرائىلية توسيع الاستيطان الذي لم يتوقف,ولا سيما في مستوطنة معاليه ادوميم,رغم الإدانة الدولية شبه الجماعية لذلك الاستيطان.
والسؤال لماذا يكاد الأمر أن يمر دون أن نسمع موقفا سياسيا واضحا,ودون أن نرى على الأرض اجراءات وتحركات للتحذير من المخاطر التي ينطوي عليها النهج الإسرائىلي,رغم الاجماع على تلك المخاطر?!
ربما كان السؤال مباشرا وبسيطا وحتى في بعض تفاصيله تقليديا ومكرورا,لكنه في الواقع يعكس الكثير من الحقائق التي لا بد من التعاطي والتوقف عندها.
فالعمل السياسي والدبلوماسي وتوازيه وتقاطعه مع عمل إعلامي مكثف,لا بد أن يترك أثره الواضح في الرأي العام العالمي,خصوصا أن هذا الرأي لديه الاستعداد المسبق لقبول معطيات ذلك العمل,وهو الذي أبدى قلقه من سياسة الاستيطان ومخاطرها على مدى عقود خلت.
والتوافق على ذلك العمل كان له نتائج فعلية برزت في الإدانة الدولية لجدار الفصل العنصري,وهذا يشكل دافعا ومحرضا لتحرك أوسع ضد الاستيطان بكل ما يتطلبه ذلك التحرك.
وإذا كان التوافق في استقدام المزيد من اليهود مع توسيع الاستيطان أمرا يأتي في سياق سياسة التوسع والعدوان,فإن الانعكاسات الخطيرة تستدعي تسريعا في حركة تفعيل المواقف الدولية التي تدين الاستيطان,ولتتوازى مع إدانة مماثلة وفاعلة لنشاط التهجير المنظم الذي تقوم به لليهود.
ومن الواضح أن توقيت الاحتفال الكرنفالي بقدوم مهاجرين يهود,لا يخلو من دلالة مهمة أرادت حكومة شارون أن توظفها دعائيا وسياسيا بعد أن تناقصت الهجرة إلى أقل من الثلث,وبعد أن أشارت الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 50 ألفا عادوا إلى أوروبا وحدهابين عامي 2001-2003 .
والأكثر من ذلك هو ما تشير إليه الدراسات المختلفة برغبة الكثير من اليهود بمغادرة إسرائيل بعد تفاقم المأزق السياسي والأمني واستفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
كل ذلك ألا يستدعي فعلا عربيا موازيا يساهم في كشف التضليل الصهيوني وممارسات حكومة شارون,ويوظف بشكل ناجح تفاقم ذلك المأزق واستفحال تلك الأزمات?
السؤال مثلما هو برسم الحكومات العربية على المستوى الرسمي,هو كذلك برسم الهيئات والمنظمات العربية رسمية كانت أم شعبية,والمخاطر التي تنطوي عليها السياسة الإسرائيلية تستدعي تضافرا في الجهود لمواجهتها,خصوصا أن المشهد الدولي,ومناخ الاتجاهات الفعلية للرأي العام تحفز ذلك وتدفع نحوه.
المسألة ليست نفخا في بوق مثقوب,ولا هي تخيلات,بل وقائع تتحرك,وتحتاج إلى تفعيل,والوقت الذي يمضي سريعا,يحتم تسارعا في حركة التنسيق وفي تحريك الإرادة السياسية,لتكون على مستوى التحديات والمخاطر,والأمر لا يحتاج للكثير من الجدل أو المناقشة,بقدر ما يحتاج إلى القناعة بأن هناك الكثير من الجهد الذي لم يوظف بعد.وأن الأمل لا يزال مشروعا.