ولعل في مقدمة هذه المفاهيم مفهوم المساواة, الذي فهمناه وفسرناه وطبقناه في الكثير من المواضع, بأنه التوازي الاعمى بين الناس, بين من يعمل بجد لأن العمل ضرورة عنده, وبين من يعمل لأن العمل مجرد حاجة لديه, وعلى انها المساواة في الراتب والحقوق والمكانة بين الكوادر, مهما تفاوتت كفاءاتها وعطاءاتها لمجرد انها تحمل المؤهل العلمي ذاته, وعلى انها تحطيم الناهض وانهاض المقعر بين الادمغة والعقول, والتعامل معها بمقص العشب ومقاييسه, لاوفقا لما تتقدم به, بل وفقا لما تقدمت اليه بطريقة او بأخرى ?
وبذريعة المساواة ايضا, فصلنا القوانين والانظمة النافذة, لتقوم بدور التسوية العمياء, وأتحنا الفرصة امام ظهور انماط اخلاقية اجتماعية, وبالتالي, سلوكيات وممارسات, تشرعن الفهم والتفسير الخاطئين للمفهوم, تكرسهما وتوطنهما كخاصية ليست لأحد إلا لنا, هي النتاج الطبيعي لما فهمنا وفسرنا وأخطأنا .
اجتمعت الى ثلة من هؤلاء المبدعين في لقاء تعارف وحوار, لم يكن ثمة ما يميزهم عن اقرانهم من حملة الشهادات ذاتها, إلا ابداعاتهم التي اعترفت بها دول الغرب ومؤسساته وتلهفت اليها, وإلا احباطهم ويأسهم مما فهمنا وفسرنا وطبقنا من المساواة ودلالاتها, وكان ثمة تساؤل ملح .. كيف نبلغ التطوير والتحديث مع كل هذه العيوب التي نمارسها في النظر الى الانسان وتقييمه ?
هل يمكن الحديث عن مساواة نوعية انتقائية بين المبدعين من المهندسين مثلا وليس بين جميعهم, او بين المبدعين من الاطباء وليس جميعهم, او بين المبدعين من الادباء وليس جميعهم .. الخ ?
هل يمكن الحديث عن ( الكبار ) أولئك الذين يقدمون ما يعجز عن تقديمه غيرهم, والذين حتى النظريات التي اوغلت في نحت مفاهيم المساواة وتطبيقاتها, تعترف بهم وتجلهم ?
اخيرا, هل نعجز عن اجتراح منظومة حقوقية واخلاقية, تكفل لنا الاستفادة القصوى مما لدينا من المبدعين الافذاذ, الذين نتباكى على اغترابهم, ونكيل التهم الى الغرب اللعين الذي يستقطبهم ويحرمنا منهم ?