كان الأمل يحدو الرئيس بوش في أن إشاعة أجواء الخوف من أعمال إرهابية محتملة ضد المؤسسات المالية الكبيرة ومواقع أخرى , قد تغير من مزاج الشارع الأميركي وتنسيه حجم الأخطاء المرتكبة في السياسة المتبعة على صعيدي الحرب على الإرهاب والحرب على العراق , لتجعله مزاجا ينظر الى الانتقادات اللاذعة لسياسة بوش على أنها تكتيك انتخابي يمارسه الديمقراطيون لحسم المعركة في مصلحة كيري.
لكن النتائج الأولية كما تدل عليها تداعيات التحذيرات أظهرت أن الشارع الأميركي بدأ يلتقطها على أنها تكتيك انتخابي تمارسه إدارة بوش نفسها بغية تعديل الكفة في مصلحتها , ما يجعل أمر كشف خلفيتها وفضح الهدف من تزامنها مع اشتداد الحملة الانتخابية من جانب الديمقراطيين مسألة مشروعة بالمقابل .
ومما زاد في إخفاق توظيف التحذيرات الإرهابية كورقة تصب في مصلحة بوش هو تحولها الى فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة فضائح سياسة الإدارة الحالية, في ضوء الاتهام الذي وجهته صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز من (أن معظم المعلومات التي دفعت الولايات المتحدة إلى رفع مستوى الإنذار من الإرهاب يعود تاريخها الى ماقبل اعتداء 11 ايلول 2001) وكذلك في ضوء اعتراف مسؤول في وزارة الأمن الداخلي بأن (المعلومات لم تأت من مصدر واحد, والمعلومة الجديدة وصلت أواخر تموز) الأمر الذي يعزز الشكوك بهذه المعلومات ويبدد الهدف الانتخابي من إعلانها والذي يكمن في إثارة الذعر في أوساط الشعب الاميركي واستغلاله في محاولة استقطاب تقوم على الإيحاء بأن إدارة بوش وحدها القادرة على مواجهة احتمالات الإرهاب, ووحدها من يجب ان يلتف حولها الناخبون الأميركيون , لعل ذلك يعدل من اتجاهات الحملة الانتخابية بعد تراجع شعبية بوش في ضوء إخفاق حربه على الإرهاب والعراق وماجرته من نتائج سلبية ليس أقلها: عزلة الولايات المتحدة دوليا وتدهور سمعة سياستها ومصداقيتها, وتزايد الكراهية الدولية لهذه السياسة نتيجة لمنطقها الاستعلائي واعتمادها نهج القوة والاستفراد بها وخيار الحرب الوقائية الذي ضاعف من الإرهاب ومساحة انتشاره.
وإذا كان ثمة استنتاج يستخلص من هذا كله, فهو أن العديد من قضايا السياسة الخارجية الأميركية بدأ يشكل عوامل وأوراقاً مهمة في الانتخابات الأميركية على نحو غير مألوف لما كان عليه الوضع في السابق عندما كان الوضع الداخلي وأحوال الاقتصاد يحتلان الأولوية في اهتمامات الناخب الأميركي,مايعني أن قضايا كثيرة من مثل الحرب على العراق وأوضاع الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي والإرهاب وعلاقات أميركا بالعالم ومكانتها الدولية وتصحيح سياستها الخارجية, باتت تشكل بمجملها أوراقاً انتخابية تؤثر في سير اتجاهات الحملة الانتخابية بهذا الشكل أو ذاك, ومايعني أيضاً أن استمرار فشل سياسة بوش في العراق وعلى مستوى تصحيح أخطاء سياسته الخارجية المتراكمة سيزيد من تفاقم مأزقه الانتخابي إلى حد يرجح احتمالات خسارته الانتخابات الحالية على خلفية سياسة فاشلة ألحقت الضرر بمصالح أميركا ومكانتها العالمية, مالم يتمكن فيما تبقى من زمنٍ يفصله عن الانتخابات من إصلاح ماأفسدته سياسته الخارجية, وهو أمر لايبدو أنه على درجة من السهولة أمام وقت ضيق لايتعدى الشهرين.