وعلى الرغم من كل التصريحات الدولية التي أظهرت الرغبة في مد يد العون والمساعدة للشعب السوداني, والتي رفضت أيضاً وصف ما يجري في دارفور بأنه عملية تطهير عرقي, أصرت الولايات المتحدة على موقفها العدائي وراحت تلوح تارة بالتدخل العسكري وأخرى بالعقوبات, في محاولة لاستغلال الأزمة التي لم تكن الحكومة السودانية طرفاً فيها كما لم تكن مسبباً لها, وذلك بهدف تمزيق وحدة السودان والبحث عن موطىء قدم لها هناك للاستيلاء على ثرواته.
استنادا إلى ذلك, واسقاطاً للنوايا الأميركية المبيتة وغير البريئة تجاه السودان, فمن المتوقع, بل ومن المنتظر أن يفوت وزراء الخارجية العرب الفرصة على واشنطن وأن يسجلوا نجاحاً في وضع أسس عملية لمعالجة الأزمة ,خاصة أن الحكومة السودانية بذلت خلال الفترة الماضية- ولاتزال- جهوداً طيبة لحل أزمة الأقليم, حيث أعلنت غير مرة تمسكها بالمفاوضات التي انسحب منها المتمردون, يضاف إلى ذلك محاولاتها توفير الأمن هناك رغم عدم سيطرتها على الميليشيات المتحاربة.
وإذا كانت تحركات الإتحاد الأوروبي ممثلاً بالرئاسة الهولندية قد أكدت على ضرورة استبعاد العقوبات والتركيز على العناصر المشجعة في حل الأزمة, إضافة إلى اجماع الاتحاد الافريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي على ضرورة إيجاد مخرج سياسي سلمي للأزمة, فإن كل ذلك ينبغي أن يشكل أرضية يمكن لجامعة الدول العربية أن تستند إليها في إطار التعاون والتنسيق العربي من جهة, ومع القوى الدولية من جهة أخرى, لتطويق تداعيات المشكلة وتوفير بلورة موقف عربي موحد وداعم لمساعي الحكومة السودانية الهادفة إلى حل الأزمة والحفاظ على وحدة أراضي السودان وتجنيبه مخاطر عقوبات ضده أو احتمالات أي تدخل أجنبي.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد أكدت من خلال مبعوثها إلى السودان أن مهلة الثلاثين يوماً التي منحها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1556 للحكومة السودانية لحل الأزمة غير كافية, فإن الأسرة الدولية وفي المقدمة الجامعة العربية مدعوة إلى التأكيد على ضرورة إعادة النظر بتحديد هذه المهلة, خاصة بعد أن سجلت الخرطوم تقدماً كبيراً وملموساً في تحسين الوضع الإنساني في دارفور, وفي تهيئة الظروف الموضوعية والقانونية التي تمثلت بمنح عفو عن المتمردين ونشر قوات من الشرطة والبدء بنزع سلاح الميليشيات المتحاربة.
إن الخرطوم التي تسعى إلى الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق مطلع تموز الماضي مع الأمين العام للأمم المتحدة ماضية في اتخاذ اجراءات متسارعة على طريق إنهاء معاناة سكان إقليم دارفور وجادة بإيجاد حل نهائي للأزمة هناك, لكن لابد من الإشارة إلى الوضع المعقد في دارفور.
الوضع المعقد في دارفور حاولت الولايات المتحدة تبسيطه بقولها إن تطهيراً عرقياً خطيراً يحدث فيه, وذلك كي يسهل عليها عملية تسويقه دولياً, بينما في حقيقة الأمر لايوجد هناك شيء من هذا كله, ذلك أن المعارك والاحتراب الدائر في دارفور ليس كما تصوره واشنطن بين عرب وأفارقة أو بين مسلمين وغير مسلمين, وإنما بين قبائل وميليشيات تجمع فيما بينها أوضاع وروابط اجتماعية وثقافية, وتفرقها مصالح وأيديولوجيات محددة, وبالتالي فإن التطهير العرقي هو أبعد ما يكون عما يجري هناك, وإن السودان الذي أتعبته وأنهكته حروب الجنوب, ومعارك وخلافات الغرب والشمال هو بحاجة إلى دعم ومساعدة أشقائه العرب, وتعاون الأسرة الدولية معه, وليس إلى العقوبات أو التدخلات الخارجية ضده وهو قادر على معالجة مشكلاته الداخلية بنفسه.