ولم يقتصر قرار الاستثمار على شركتي الكبريت والخشب, لكنه يشمل شركة حديد حماة التي سبق أن طرحت للاستثمار وتقدمت أربع شركات أجنبية بعروض لاستثمارها..
واللافت المسجل في هذه القرارات جرأتها غير المسبوقة في تحديد شكل المعالجة, لكن النظرة الأعمق تتجاوز حالة الجرأة التي تميز هذه القرارات لتتوقف عند طريقة الحل التي تمثل هروباً موصوفاً من قبل وزارة الصناعة وإدارة المؤسسة وجميع الشركات التابعة لها من مواجهة واقع صعب والبحث في حلول قد تكون أكثر صعوبة ومأسوية.
في المستقبل, ومهما يكن من أمر الشروط الحقوقية والمالية والفنية الموضوعة فإنها لن تكون كفيلة بالحفاظ على مصالح العمال, وإ ن اشترطت الحفاظ عليهم, وعندها يبدو التساؤل كبيراً: فكيف سوف يتمكن المستثمرون الجدد من تشغيل العمال القائمين على عملهم في تلك الشركات, وضمان تحقيق أرباح معقولة, في حين تتمكن عدة إدارات متعاقبة من تحقيق ربح معقول يضمن استمرار أداء هذه الشركات وتأمين المئات من فرص العمل الجديدة?.
وهل تعجز الإدارات العامة عن الارتقاء بأداء تلك الشركات, فيما ينجح المستثمرون الأجانب?.
الإجابة ليست بسيطة كما يفترضها السؤال المطروح, ذلك أن أسلوب العمل المطبق في المعامل والمصانع التابعة للقطاع العام عموماً ووزارة الصناعة بخاصة أسهمت الى حد كبير في تراجع الإنتاجية مع عدم القدرة على تحقيق المواصفات المطلوبة, الأمر الذي أخرج الكثير من منتجاتنا من دائرة المنافسة متسبباً في زيادة المخازين وإخراج مليارات الليرات خارج دائرة الفعل الاقتصادي, وهو ما انعكس في النهاية سلباً على الانتعاش الاقتصادي عموماً.
وربما لم تكن تجارب الإدارة بالأهداف وغيرها كافية لصياغة آليات محددة في إدارة الشركات الصناعية, وهكذا جاءت القرارات الجريئة شكلاً لتمثل هروباً من مواجهة أزمات يمكن أن تواجه جميع المجتمعات, لكنها لا تعدم حلاً لها يضمن حقوق العاملين, ولا يفرط بمكتسبات القطاع العام.
ويمكن القول في النهاية إن المشكلات التي تواجه القطاع العام لا يتحملها هو بذاته, لكن الارتجال في قرارات الإدارات غير الكفوءة تسبب في تراجع دور هذا القطاع, الأمر الذي يدفعنا لطلب الوصاية عليه والقبول بها عبر خبرات المستثمرين الشخصية.