ولا نبغي,بطبيعة الحال, التحليل الفرويدي لشخصية ريتشارد ارميتاج وكنا نظن أن تغيرا حصل في هذه الشخصية التي أبعدت عن الظل إبان عهد الرئيس بيل كلينتون. صاحبنا راح (يدنو) من الهاجس العربي إلى الحد الذي جعلنا نتساءل ما إذا كنا أمام (مستعرب) آخر من أولئك الذين حطمهم جوزف سيسكو واحدا بعد الآخر (في وزارة الخارجية), قبل أن يأتي إلى دمشق -ولكن بعد فوات الأوان- ليعتذر عما فعلت يداه, مبررا ذلك بالضبابية (وتصوروا...) التي تحيط بملف الشرق الأوسط..
فهمنا منه, آنذاك وقد التقيناه, كيف تصاغ السياسات وكيف تبنى الاستراتيجيات. سياسات أم استراتيجيات العيون المقفلة?
أجل, لا نريد أن نستعين بنظرية سيغموند فرويد كي ندخل إلى الهيكل العظمي للرجل. إن ستروب تالبوت, الدبلوماسي المخضرم والذي طالما كان عقلانيا في نظرته إلى ديناميات الصراع في المنطقة هو الذي قال: (لكي تفهموا كيف يفكر الساسة في أميركا ولماذا يفكرون هكذا, حاولوا تحليل الهياكل العظمية لهؤلاء الساسة لا نفسياتهم وحسب).
هذا بدءا من هنري كيسنجر الذي أزاح, بالفظاظة إياها, وليم روجرز ليحل محله في وزارة الخارجية ويفعل ما يفعل, ودون أن تنتهي السلسلة ببول وولفويتز الذي (قبل) بدونالد رامسفيلد وزيرا للدفاع لأن هذا الأخير الذي كرس علنا الازدواجية بين منطق الشركة ومنطق الدولة في الأداء السياسي, لا يعمل سوى بضع دقائق في اليوم, تاركا له أمر إدارة شؤون البنتاغون, ربما ما فوق البنتاغون...
إذا, كيف يحل ريتشارد ارميتاج عقدته -انظروا جيدا إلى تشكيل فمه- ويبتلع كولن باول, هذا إذا طال مكوث الرئيس جورج دبليو بوش في البيت الأبيض, ودون أن نتوقع, كما يرى البعض, اسلوبا مختلفا في التعاطي مع أزمتنا أو مع أزماتنا, مادامت أزمة الإنسان العربي هي... الإنسان العربي.
تصوروا مدى سذاجتنا إذا حاولنا أن نزجي النصح لهذا أو ذاك داخل الإدارة, لكننا نعلم أن ثمة من يقرأ جيدا في المؤسسة الدبلوماسية الأميركية. يناقش, ويصغي أيضا, ويحاول أن يحدث تغييرا في الأداء على الأقل, مادام النفاذ إلى المفاهيم (أو تلك المعايير العجيبة) يبدو وكأنه النفاذ إلى المستحيل. قليلا نتوقف عند فرنكلين فولكنر: (لنعلم أن البداية كانت قاسية, فلماذا نريد للنهاية أن تكون هكذا)?!
رغم ذلك نحاول النصح. الأميركيون المأخوذون بسحر اللحظة (طلقة المسدس أو القدم التي تطأ القمر للمرة الأولى) يدركون تماما ماذا يحل بالكاوبوي حين يصاب بالهذيان ويشرع في إطلاق النار على الرمال, أو على الرياح أو حتى على الضباب كما شاهدنا, أحيانا,
في أفلام الغرب الأميركي. يفعل هذا لأنه يخشى الحقيقة, فيحاول قتلها أو اغتصابها أو على الأقل الالتفاف حولها. ماذا تكون النتيجة? الهذيان داخل الهذيان...
ولكن ماذا حين تهذي الامبراطورية?
هذا لأننا, وكما تعلمون, أبناء ذلك المصطلح الذي يستسيغه الأميركيون (القرية الكونية), المصطلح الذي يستخدمونه وفقا لمقتضيات المؤسسة, بكل وحشيتها, وليس وفقا لمقتضيات الإنسان الذي يتضاءل -في المشهد الامبراطوري- إلى الحد الذي يحمل رجلا مثل مايكل مور على القول:( انظروا إلينا على الأقل على أننا... نصف بشر).
هذا ما يقوله مثقف أميركي, فماذا يقول الآخرون? الآخرون إما أن ينتظروا قاذفات القنابل, أو كلاما بجنون قاذفات القنابل. ولكن أليس بين الآخرين من يستطيع أن يصنع الخيار الثالث?
حدقوا في المشهد مليا, وأدلوا برأيكم..!